عادي

جونسون يتجرع على مضض من كأس تيريزا ماي

17:10 مساء
قراءة 3 دقائق
وأخيراً انتهت اللعبة بالفعل.. ورفع بوريس جونسون منديله الأبيض معلناً الاستسلام للضغوط الهائلة التي مورست عليه في الأيام الأخيرة، وقرر تقديم استقالته على مضض، وتجرع من نفس الكأس الذي تجرعت منه سلفته تيريزا ماي رئيسة الوزراء السابقة، حين كان من أوائل المتمردين عليها في حزب المحافظين، وإن كانت المقاربة تتقاطع في نقاط أحيانا وتختلف في أحيان أخرى.
استقالة تيريزا ماي من منصبها في عام 2019، لم تكن بفعل الفضائح وخرق القوانين، كما فعل خليفتها جونسون، فهي ابنة قس وريفية علمها والدها أن ترى الناس وتتعامل معهم كما هم قبل أن يقضي في حادث سير عندما كان عمرها 25 عاما. وجاءت استقالتها بسبب ما اعتبر فشلا لخطتها في تنفيذ استفتاء «بريكست» أو الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، إذ إنها كانت تريد خروجا ناعما يضمن مصالح جميع البريطانيين والأوروبيين، وتوصلت إلى اتفاق في نهاية المطاف، كانت نقطة ضعفه تكمن في جدوله الزمني وتعثر المفاوضات حول الحدود الإيرلندية الشمالية، بينما تبخرت الآمال في التوصل إلى اتفاق تجاري، حيث تمخضت المفاوضات عن مهلة انتقالية مدتها 21 شهراً للسماع بمزيد من الوقت من أجل التفاوض.
غير أن ذلك لم يعجب صقور المحافظين، وكان أول المتمردين عليها هما الوزيران بوريس جونسون وديفيد ديفيس اللذين اعتبرا أن هذا ليس «البريكست» الذي يريدانه، بينما اعتبرت ماي آنذاك أن هذا الاتفاق هو أفضل ما يمكن الحصول عليه، لأنه سيوفر انسحابا منظما من الاتحاد الأوروبي بأقل قدر ممكن من الاضطراب للمواطنين والأعمال التجارية سواء للبريطانيين أو الأوروبيين. وكان على ماي أن تمرر اتفاقيتها في البرلمان الذي اعترض على الخطة أربع مرات تخللتها محاولة لسحب الثقة منها من نواب حزبها تارة ومن حزب العمال تارة أخرى.
وقد اختلف نواب حزب المحافظين بين من يريد وقف البريكست وإجراء استفتاء ثان ومن يريد بريكست ناعما وأولئك الذين يريدون الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، ولكنهم جميعا اتفقوا على رفض اتفاق تيريزا ماي. ومع أن البرلمان صوت برفض الخروج دون اتفاق، كما تريد هي، إلا انها اضطرت لإجراء تصويت على إرجاء «البريكست»، الأمر الذي كانت تصر على رفضه، واعتمدت على نواب حزب العمال لتمرير هذا المقترح بعد تمرد نواب المحافظين عليها، لكنها تعرضت إلى ضغوط هائلة دفعتها إلى تحديد موعد لاستقالتها ريثما يتم اختيار زعيم جديد للحزب، وربما يتذكر الجميع كيف ذرفت الدموع وهي تتلو بيان استقالتها، وتقدم اعتذارها للشعب البريطاني لعدم تمكنها من تنفيذ قرار الاستفتاء.
بهذا المعنى، لم يكن إسقاط تيريزا مشابها لسقوط جونسون، إذ كان رحيل ماي يتعلق بأسباب سياسية ساهمت أوروبا في جانب أساسي منها من خلال تشددها التفاوضي، بينما كان سقوط جونسون مدويا لكونه جاء على خلفية سلسلة من الفضائح التي عرفت باسم «بارتي غيت» وخرقه للقوانين وما تلا ذلك من تداعيات، وعلى خلفية خسارتين انتخابيتين متلاحقتين لمجالس محلية في أهم معاقل حزب المحافظين، ثم تعينه لوزراء فاسدين ارتكبوا المزيد من الفضائح، وتبين أنه يعلم مسبقا بفساد هؤلاء، ناهيك عن السقوط المدوي في تمرد غير مسبوق في التاريخ البريطاني من جانب حزب المحافظين، وانفضاض العشرات من كبار المسؤولين والوزراء في فريقه الحكومي وتقديم استقالاتهم فرديا وجماعيا، ومع ذلك حاول التمسك بالسلطة حتى الرمق الأخير، ليتحول سقوطه إلى حالة شبه الطرد، بعدما فقد تأييد أغلبية حزبه وغالبية البريطانيين.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"