صراع على حافة الهاوية

00:02 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

يبدو أن الصراع بين حلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادته الأمريكية، وبين روسيا، يتجه إلى معدلات متسارعة وغير متوقعة، من التصعيد الذي يدفع بالطرفين إلى خطر المواجهة المباشرة. عندما أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراره ببدء «العملية العسكرية» في أوكرانيا يوم 24 فبراير/شباط الماضي، كان الهدف المحوري هو أن يفرض بالقوة ما رفض الأمريكيون ومعهم «الأطلسيون» خاصة في أوروبا قبوله بالدبلوماسية، وهو منع انضمام أوكرانيا إلى عضوية حلف «الناتو» لكيلا يصبح للحلف قوات على الحدود المباشرة مع روسيا.

 كان هذا هو الهدف المحوري للعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، الواقع الآن يقول إن هذا الهدف أضحى بعيد المنال، خصوصاً بعد القرارات التي اتخذت من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، سواء داخل المجموعة الصناعية السبع الكبرى (G7) أو داخل حلف شمال الأطلسي نفسه.

 فقد اتخذت قمة مجموعة الدول الصناعية السبع، التي استضافتها ألمانيا، مجموعة من القرارات الإضافية المهمة لإحكام الخناق على روسيا، من أبرزها منعها من الحصول على التكنولوجيا الغربية لصيانة أسلحتها، ورغم أنها لم تخرج باتفاق نهائي على وضع سقف لأسعار النفط الروسية، ولا باتفاق على حظر استيراد الذهب الروسي، فإنها مهدت الطريق أمام الخطوتين، وشكلت مجموعة عمل لمتابعتها، ودعت جميع الدول التي تشارك «المجموعة» إلى التفكير في الانضمام إلى إجراءاتها التي تتطلع إلى وضع حدود قصوى لأسعار النفط الروسي، باعتبار ذلك وسيلة لمنع روسيا من الاستفادة من ارتفاع الأسعار التي تفرضها تداعيات الأزمة الأوكرانية، ما أدى إلى حدوث قفزة في عائدات النفط الروسي.

 خرج قادة حلف الأطلسي بهذه الروح في ذات اليوم إلى قاعات قمتهم في العاصمة الإسبانية مدريد بثلاث حزم من القرارات تتعلق بتكثيف الدعم العسكري لأوكرانيا والوجود العسكري في دول الناتو المحيطة بروسيا. والثانية إقرار الاستراتيجية العسكرية الجديدة التي وضعت روسيا موضع العداء والخطر الأساسي للحلف، بعد أن كانت تصنف خلال السنوات العشر الماضية أنها «شريك استراتيجي»، والثالثة تتعلق بتوسيع حدود الحلف مع روسيا بقبول انضمام كل من فنلندا والسويد، ما يعنى أن الحلف سيكون له وجود عسكري مكثف وغير مسبوق في مواجهة روسيا وعلى حدودها مباشرة.

 ففي لقائه مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز وعد الرئيس الأمريكي جو بايدن بزيادة عدد الطرادات الحربية المجهزة برؤوس نووية من 4 إلى 6 في قاعدة «روتا» على المحيط الأطلسي، بعدها أعلن أن واشنطن قررت إقامة المقر الرئيسي للجيش الأمريكي الخامس في بولندا، ونشر 3500 جندي في رومانيا، وتعزيز وجودها العسكري في دول البلطيق، إضافة إلى إرسال سربين من مقاتلات «F35» إلى بريطانيا ومنظومتين للدفاعات الجوية إلى إيطاليا. أما الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ فقد أكد العزم على تعزيز الجناح الشرقي للحلف (المواجه لروسيا)، وقال إن دول الناتو قررت تعزيز «مجموعتها القتالية» الموجودة على الحدود الشرقية للحلف، وإن الناتو «سيحدث تحولاً في قوة ردعه البالغة 40 ألف جندي، ويزيد عدد قواته ذات الجاهزية العالية إلى ما فوق 300 ألف جندي».

 فى ذات الوقت، أقرت قمة الناتو «خريطة طريق» تحدد إطار نشاط الحلف للسنوات العشر المقبلة، بعد أن تبنت بالإجماع المبدأ الاستراتيجي الجديد الذي يعتبر روسيا «أكبر تهديد مباشر للحلف والأمن والاستقرار في المنطقة الأوروبية - الأطلسية» ما يعني أن روسيا باتت تصنف أنها «العدو» للحلف، الأمر الذي يفرض تخصيص جل الموارد والقدرات لمواجهتها.

 على الجانب الآخر، تزيد روسيا من وجودها العسكري على الأراضي الأوكرانية، وتحقق المزيد من الانتصارات التي كان آخرها إعلان الرئيس فلاديمير بوتين الاثنين الفائت الانتصار في معركة لوغانسك التي استمرت لعدة أشهر، وأمر بمواصلة الهجوم، جاء ذلك بعد أن أعلنت روسيا سيطرتها الكاملة على مدينة ليستشانسك الاستراتيجية، وكان تعليق بوتين على قبول حلف الناتو ضم فنلندا والسويد أن روسيا «سترد بالمثل إذا أقام الحلف الأطلسي بنية تحتية في فنلندا والسويد»، ولم يستبعد أن تشهد علاقات موسكو مع هلسنكي واستوكهولم توتراً بسبب انضمامهما إلى حلف شمال الأطلسي.

 إلى أين سيقود هذا التصعيد المتبادل بين الطرفين الروسي والأطلسي بعد أن اقتربا كثيراً من حافة الهاوية بكل ما تحمله من مخاطر احتمال التورط في حرب أمريكية - روسية مباشرة؟ سؤال يؤكد أن حرب أوكرانيا ربما لن تكون نهاية مواجهة بقدر ما ستكون بداية لصراع أشمل وأكثر خطورة في انعكاساته الدولية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"