عادي

لا قواعد صارمة

22:19 مساء
قراءة 5 دقائق

القاهرة: وهيب الخطيب

«لا تحكم على الكتاب من غلافه» هكذا تقول الحكمة في صيغة ثقافية شبه رسمية، بينما ترى الثقافة الشعبية أن «الجواب يبان من عنوانه»، أي تتكشف ما تخفيه الرسائل المطوية من عنوانها، وبين الرؤيتين الرسمية والشعبية تتأرجح العناوين، سواء للمؤلفات اﻷدبية أو غيرها.

أخيراً، انتهيتَ من تأليف كتابك، لتواجه السؤال الذي قد يضعك في قائمة أفضل الكتب مبيعاً: كيف اختار العنوان؟ وهل من اللائق أن أوليه كل هذا الاهتمام؟ فلربما تراجعت عن العناوين اﻷولى التي تطرأ على ذهنك وقت كتابة مسودة العمل، اﻵن عليك البحث عن عنوان شيق وجذاب يسهم في ترويج إصدارك ويدفع بك إلى مقدمة مبيعات أسواق الكتب.

في الوقت الذي تبدو فيه عبارة «لا تحكم على الكتاب من غلافه» تحذيراً مرحباً به ضد الأحكام المسبقة، يسعى المؤلفون والكُتّاب إلى معرفة كيفية تسمية الكتب من أجل جذب القراء المستهدفين وزيادة المبيعات.

إذاً، ما الذي يجعل عنوان الكتاب جيداً حقاً؟ لحسن الحظ، هناك قائمة من النصائح تساعد المبدعين على اختيار عنوان كتاب يضمن لفت انتباه القارئ. وعلى الرغم من أن اتباع النصائح في عملية العنونة «المثالية» قد تنجح، فإن الإرشادات تمنح أفكاراً مقترحة لتصميم عنوان يعزز الإصدار ويمنحه أفضل فرصة للنجاح، ليس أكثر.

عدم اكتراث

قديماً، لم يهتم العرب الأوائل كثيراً بعنونة مؤلفاتهم، واعتبروا العنوان مجرد شارة تمييزية للعمل، وليس شرطاً أن تكون دالة على المحتوى المقدم، إنما مجرد لافتة يتعارف بها الناس على الكتاب.

الأمر ذاته ينطبق على القصائد التي لم يول الشعراء لعنونتها أي اهتمام، فهذه القصيد هي لامية الشنفرى، وتلك قصيدة عمرو بن كلثوم، وثالثة معلقة امرئ القيس، وهكذا؛ بل لم يعر الشعراء المحدثون العنونة اهتماماً حتى ظهور مدرسة الديوان مطلع القرن العشرين، التي اعتبرت العنوان جزءاً رئيسياً من النص، قبل أن يتحول إلى عتبة نصية يمكن قراءتها على نحو مستقل، في الدراسات النقدية الحديثة، وعلى الأخص بعد انتشار رؤية الروائي والمنظر الأدبي الفرنسي جيرار جينيت.

وعلى ذكر القرن العشرين، يروي مؤرخو الأدب أن الشاعر والأديب عبد القادر المازني كان يكتب النص في ساعة، فيما تستغرق عملية اختيار العنوان نحو ساعتين، أي ضعف الوقت، وأياً كانت المبالغة في الرواية التاريخية، فإنها دالة على العناية التي أولاها أدباء القرن العشرين للعناوين، كذلك تعبر عن مدى المشقة في اصطياد عنوان جذاب ويستفز القارئ ويثير دهشته ويحثه على مطالعة الكتاب.

بالعودة إلى التاريخ، نقرأ في كتب التاريخ اﻷدبي أن النحوي سيبويه عمرو بن عثمان، الشهير بسيبويه، له روايتان بشأن عنوان كتابه الذي لا يخطئه قارئ «الكتاب»، والمعروف تاريخياً بكتاب سيبويه، الأولى تقول إن المؤلف أطلق عليه «الكتاب» كعنوان عام يشير إلى مؤلِفه دون اكتراث بالدلالة التي يحملها الاسم.

والثانية ترى أن النحوي الشهير لم يعنون كتابه، إنما أطلق الدارسون للنحو العربي عليه مسمى الكتاب نظراً لأهميته، حتى بات المسمى حصراً على اﻹصدار الأشهر في النحو العربي، وانتشرت مقولة عن الدارسين المتميزين العارفين بأصول قواعد العربية «قرأ الكتاب» أي كتاب سيبويه.

أهمية

بدون عنوان لا وجود للكتاب، لما يمكنه أن يعزز الموضوع والقضية قيد المناقشة، وربما الانتهاء إلى مسمى قبل البدء في التأليف والشروع في الكتابة قد يساعد على التخطيط الجيد للمحتوى، أما إذا كان المؤلف لا يفكر في العنوان كقرار تسويقي، فقد يخسر كثيراً.

هنا، يرى خبراء الأدب أن العنوان أهم خيار تسويقي؛ إذ يلعب العنوان دوراً رئيسياً في تكوين الانطباع الأول، وربما على نحو أكثر فاعلية من تصميم الغلاف، وينصح الخبراء أن يفكر المؤلفون في آخر مرة تصفحوا فيها مواقع بيع الكتب، أو أن يتذكروا مرات مطالعة قوائم أكثر الكتب مبيعاً. من المحتمل أن ما لفت انتباههم كان العنوان.

دون أن يغفل هؤلاء الخبراء أن يشيروا إلى أن اختيار العنوان الملائم لن يؤدي إلى بيع الكتاب بطريقة سحرية، لكن المسمى غير المناسب سيعوق المبيعات في أحسن الأحوال، وفي أسوئها ينفر القراء المحتملين، ما يعني ضرورة البدء في اتخاذ القرارات الجيدة.

العنوان هو الأساس الذي سيستند إليه الكتاب بمجرد نشره، وسيكون جزءاً أساسياً من إقناع القراء أو الناشرين لاغتنام الفرصة في العمل. كونها أول ما يراه القارئ، مما يتوجب جذب انتباهه وإثارة اهتمامه دون التخلي عن المهنية والدقة.

وفي الوقت الذي تبدو فيه العناوين ثانوية بالنسبة للمتن، فإن ما يمكن تسميته بالعنوان المثالي يمكن أن يجعل رواية أو كتاباً واقعياً لا يُنسى كثيراً في أذهان القراء، مع تحويل العمل إلى أكثر الكتب مبيعاً.

صورة

من المهم التفكير في الشكل الذي سيبدو عليه الغلاف كصورة مصغرة، مع اتباع عدد من النصائح، غير الملزمة بالطبع، كأن يكون قصيراً، فعادة ما تكون العناوين الأكثر تميزاً في الجانب الأقصر، ومن السهل تذكر العنوان القصير، ويمكن في كثير من الأحيان أن يكون أكثر إثارة للذكريات، هنا نتساءل هل يتذكر أحد العنوان الكامل لمقدمة ابن خلدون؟ ومن يمكن أن يخطر بباله مثلًا كتاب الونشريسي «المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقيا والأندلس والمغرب»؟

ومع نصحية القصر، وفي الوقت الذي تغري العنونةُ بكلمة واحدة المؤلفين، فقد يمثل ذلك عقبة في عصر محركات البحث، ما يعني أهمية مراعاة النتائج المترتبة على اختيار عنوان من كلمة واحدة، والتشابه عند بحث قارئ ما عن الكتاب، وحصوله على قائمة طويلة بنتائج خارج البحث المستهدف.

الهدف هنا هو أن يكون لدى القراء فكرة عن المحتوى، دون الكشف عن التفاصيل أو وجود فقرة على الغلاف الأمامي. ويمكن أن تنجح العناوين الطويلة أيضاً، طالما يمكن للقراء تذكر ما يكفي منها للعثور عليها.

حتى الكتب التي تتناول موضوعاً متخصصاً يمكن أن يكون لها عنوان بسيط يسهل الوصول إليه، هنا يشير تقرير في موقع Master Class إلى كتاب «التفكير والسريع والبطيء» لدانيال كانيمان، الذي وضعه المؤلف لجذب الانتباه، وإغراء القراء لا لصدهم وإخافتهم من خلال جعلهم يعتقدون أن الكتاب يمكن قراءته على نحو سهل وسريع.

ويوضح التقرير أنه يمكن للمؤلفين ألاّ ينشغلوا بالحيرة، مع حرصهم على عدم اختيار عنوان قد يكون مسيئاً عند البعض، أو قد يكون له معنى مزدوجاً غير مقصود، وتخفيف حدة التخصص، ناصحهم بالتفكير في إعادة النظر والسعي وراء شيء أكثر انفتاحاً.

غالباً ما تكون العناوين الأكثر مبيعاً مثيرة للذكريات وتحتوي على تلاعب بالألفاظ وصور جذابة. فعناوين الروايات عرض صغير لقدرات الكاتب. على هذا النحو، من المهم التوصل إلى مسمى رائع يُظهر للقراء المحتملين القليل من مهارات المؤلف في الكتابة.

لا وجود لقواعد صارمة ونهائية في اختيار العناوين، لا توجد أيضاً أفكار سيئة عندما يبتكر المؤلفون مسميات محتملة ﻷعمالهم، وإنما هناك عنوان جيد وآخر أفضل، ما يعني إمكانية تسجيل المقترحات كافة، وكتابة أي شيء يتبادر إلى الذهن، أو بعبارة البعض «تدوين أي مقترح يخطر ببال المؤلف؛ كلمات أو عبارات أو أسماء أو أماكن أو صفات، وسيندهش من النتائج التي قد يحصل عليها عن مثل هذا التمرين.

أنماط
لا توجد قواعد صارمة لصياغة العنوان المثالي. ومع ذلك، هناك بعض الأنماط والتشابهات بين العناوين الجيدة التي قد تساعد على اختيار العنوان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"