عادي
رواية تنتمي إلى العصر الذهبي للأدب الروسي

«من المذنب؟»..سرد مفخخ بالأسئلة

15:15 مساء
قراءة 3 دقائق
القاهرة: «الخليج»
تضع دار آفاق للنشر والتوزيع يدها على مشكلة كبيرة في تلقي الإبداع المترجم، وذلك حين اعتزم مسؤولو الدار إصدار سلسلة «مختارات من الأدب الروسي» مع صدور العمل الأول بعنوان «من المذنب؟» للكاتب الروسي ألكسندر جيرتسن، ترجمة يوسف نبيل، فكل الآداب ترتبط بجوانب اجتماعية وسياسية، وتزداد حدة ذلك الارتباط أو تقل من عمل لآخر، من هنا تظهر الصعوبة التي يواجهها القارئ أحياناً، عند قراءة بعض الأعمال الروسية، وهي مشكلة تتعلق بحجم الارتباط بين أغلب الأعمال الأدبية الروسية، وبين السياق الاجتماعي والسياسي، الذي يجهله عادة.
تزداد المشكلة عند قراءة أعمال روسية بشكل عشوائي، وغير مرتب زمنياً، وبالتالي تظهر أسئلة عن سياقات مجهولة للقارئ، وهذا ما دفع دار النشر إلى التفكير في تقديم الأدب الروسي بصورة جديدة تعتمد على طرح الأعمال المهمة والفارقة بترتيبها الزمني، مع الوضع في الاعتبار عدة عوامل من أهمها أن تعبر هذه الأعمال عن قضايا ذات أهمية إنسانية واجتماعية واضحة، وأن يكون مؤلفو هذه الأعمال من الأسماء المهمة في تاريخ الأدب الروسي، والتي لم تأخذ حقها في الانتشار، في العالم العربي.
  • تجول
ألكسندر جيرتسن (1812– 1870) اشتهر في مجال الأدب بروايته «من المذنب؟» التي صدرت عام 1846 قبل ظهور كبار الأدباء الروس، ووصلت شهرة الرواية في روسيا إلى أن صار السؤال الذي يطرحه العنوان أحد أشهر وأهم الأسئلة في المجال السياسي والاجتماعي الروسي، وقد نفي جيرتسن إلى لندن، وجاب كثيراً من العواصم الأوروبية، والتقى أثناء ذلك أبرز الأدباء الروس: تورجنيف، وتولستوي، ودستويفسكي، وكرس حياته للعمل الثوري، واشترى مطبعة، وأسس صحفاً ومجلات، واستقرت به الحال في باريس، وتوفي هناك.
حين صدرت الرواية وجد الوسط الأدبي نفسه أمام رواية ناضجة مكتملة الأركان، مكتوبة بحس اجتماعي مميز، كما تمتلئ بالتصوير النفسي العميق والمونولوجات الداخلية، وهي السمات التي ستظل ملازمة للأعمال الروسية الخالدة في العصر الذهبي.
وتتكئ الرواية على بنية غريبة بعض الشيء، حيث تبدأ الحكاية بلقاء بين شخصيتين، ثم تتلوها حكاية كل منهما، وتتفرع الحكاية لنعرف حكايات الشخصيات الأخرى، وتتشابك شجرة الشخصيات وسيرها الذاتية، لنعود مجدداً إلى الشخصيات الأساسية.
هكذا نجد أنفسنا أمام سجل حافل، يضم سير شخصيات عديدة وحكايات مكتوبة بدقة نفسية واجتماعية مبهرة، تتخلل الرواية أيضاً بعض المقاطع من اليوميات والرسائل، ويتسق كل ذلك داخل بنية متناغمة، حيث تصف الرواية في الأساس الطريقة التي تهدمت بها أسرة، وتطرح داخل هذه الحكاية تفاصيل اجتماعية وحكايات كثيرة جداً، ليطرح السؤال في النهاية بكل ثرائه: من المذنب؟
  • بنية
لا يجيب الراوي عن السؤال لكنه يقدم بمهارة لافتة، البنية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي نشأت فيها هذه الحكايات، ويتتبعها بدقة حتى نصل إلى نقطة النهاية، وإذ بالسؤال يصير مطروحاً بصورة مغايرة، فلم تتناول الرواية الأطر الاجتماعية والسياسية التي أفضت بالشخصيات إلى مصائرها فحسب، بل تناولت أيضاً العوالم الداخلية بدقة وعمق، الأمر الذي ساعد على تحويل سؤال: من المذنب؟ برفقة أسئلة أخرى مثل: ما العمل؟ إلى أن يكون الموضوع الرئيس لأعمال تولستوي ودستويفسكي. تقدم الرواية الأطر الأساسية لفهم بنية المجتمع الروسي في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وبالقراءة يتمكن القارئ من فهم بنية أهم الطبقات التي شكلت المجتمع الروسي، خاصة في المدينة، كما تقدم الرواية لمحة بسيطة أيضاً عن حياة الريف، وتتصدر الرواية صفحات كتبها جيرتسن عن روايته التي كانت أول رواية ينشرها، وكان قد بدأ كتابتها في منفاه عام 1841 وأنهاها بعد ذلك بفترة طويلة في موسكو.
ويصف روايته قائلاً: «صارت روايتي التي لم أنهها تشبه هاوية ممتدة ولم تتضمن صفحات مقبولة سوى صفحتين أو ثلاث» حتى أن أحد أصدقائه هدده قائلاً: «إذا لم تكتب عملاً جديداً فسوف أنشر قصتك هذه، إنها لدي» لكنه لم ينفذ تهديده.
حين نشرت الرواية حذفت الرقابة بعض المقاطع، حيث يبدو أبطال العمل ليسوا أخياراً أو أشراراً بصورة مميزة، بقدر ما هم أبناء عصرهم، صحيح أن بعضهم يرتكب جرائم أخلاقية شديدة، لكنها تتم داخل إطار العصر، فتبدو عادية تماماً، إلى درجة أن يتساءل القارئ: هل كان بإمكان الشخصية أن تسلك على نحو مغاير؟
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3m8tkwjx

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"