الاحترار في شرقنا الأوسط

00:59 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

لم يعد خطر المناخ المتطرف موضوعاً للمناقشات الأكاديمية التي تدق ناقوس الخطر، لكنه بات يدفعنا للصراخ من الألم، عبر ما نشاهده يحدث أمام أعيننا وصورة الرعب التي يرسمها للمستقبل والأجيال القادمة. وأصيب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بحالة من الفزع وهو يتفقّد حجم الدمار الذي تسببت به الأمطار الموسمية في باكستان، ما دفعه إلى إطلاق وصف «المجزرة المناخية» على النكبة التي حلت بملايين الأشخاص.

وندد غوتيريس بلامبالاة الدول الصناعية الكبرى حيال المناخ. وقال إن إصرارها على المضي قدماً في استخدامات أنواع الوقود التي تعجل بخراب الكوكب، هو ضرب من الجنون، وعملية انتحار جماعي. غير أن صرخة المسؤول الأرفع عن استقرار الدول ورفاهية الشعوب، لا تعدو أن تكون صرخة يائسة، لا تجد لها أذناً مصغية، ولا تجد لها موطئاً على أرض الواقع.

وكارثة باكستان التي تسحق ملايين البشر هي كارثة متحركة ومتحولة ومتنامية بشكل تصاعدي، وقد رأينا نماذج لها (وإن بصور مغايرة) في أنحاء مختلفة من العالم في صورة الجفاف، ونقص المياه الذي ضرب مناطق واسعة في القارات الخمس، والحرائق التي أهلكت آلاف الهكتارات من أراضي الغابات.

ويبدو واضحاً أن منطقة الشرق الأوسط في قلب هذه الفوضى المناخية. فقد تابع العالم موجات الجفاف والفيضانات المدمرة، وتراجع مستوى المياه في الأنهار في عدد من دول المنطقة. وربما يكون ما يحدث في هذه الفترة، طلائع لما ينتظر حدوثه في المستقبل، حسب ما تكشف عنه دراسات الخبراء.

وأظهرت دراسة مناخية جديدة أن منطقة الشرق الأوسط تزداد احتراراً مرتين أكثر من المعدّل العالمي، ما قد يحمل آثاراً مدمرة على شعوبها واقتصاداتها. وتكشف الدراسة التي أسهم فيها عدد كبير من الباحثين، أن أكثر من 400 مليون شخص في المنطقة يواجهون خطر التعرّض لموجات الحر الشديدة، والجفاف لفترات طويلة، وارتفاع مستويات سطح البحر.

وتحذر الدراسة من أنه في ظل غياب تغييرات فورية، فمن المتوقع أن يرتفع معدل حرارة المنطقة بمقدار خمس درجات مئوية بحلول نهاية القرن، وهو ما قد يتجاوز «العتبات الحرجة للتكيف البشري» في بعض البلدان. ووفقاً للدراسة، فإن «جميع مجالات الحياة تقريباً»، س«تتأثر بشدة» بازدياد معدلات الحر والجفاف.

ومن المحتمل أن يسهم هذا في زيادة معدل الوفيات ويفاقم «التفاوت بين الأغنياء والأشخاص الأكثر فقراً» في المنطقة. ودعا الباحثون دول المنطقة إلى تعزيز التعاون، ومحاولة احتواء التأثيرات المدمرة لظاهرة الاحترار.

إن الدول الصناعية الكبرى المسؤولة بشكل رئيسي عن زيادة حرارة الأرض، مطالبة بتهدئة اندفاع الصناعة، والسيطرة على الاستخدام المتعاظم للوقود الأحفوري المسبب لارتفاع معدلات الكربون في غلاف الأرض، لكن ذلك لا يحدث. وهناك حاجة لمساعدة الدول الفقيرة على التكيف مع التداعيات المروّعة لتطرف المناخ.

لكن ذلك لا يحدث أيضاً، فالأموال شحيحة وتذهب في الغالب لتمويل الحروب. وفي غضون ذلك، فإن على البشرية التمعّن صامتة في هذا الانتحار الجماعي وانتظار مصيرها المحتوم.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8z8ykf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"