عادي

التقوى

22:44 مساء
قراءة 3 دقائق
أحمد حلمي

أحمد حلمي سيف النصر

التقوى.. منهج حياة، يترفّع فيه المؤمن عن لذائذ الدنيا الفانية، ويجتهد فيه بالمسابقة في ميادين الطاعة، ويبتعد عن المعاصي والموبقات، وقد جسّد أبي بن كعب، رضي الله عنه، هذا المعنى لما سئل عن التقوى؟ فقال: (هل أخذت طريقاً ذا شوك ؟ قال: نعم، قال: فكيف صنعت؟ قال: إذا رأيت الشوك عزلت عنه أو جاوزته أو قصرت عنه، قال: ذاك التقوى).

من هنا كانت التقوى هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه، قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) النساء: 131، وهي وصية النبي، صلى الله عليه وسلم، لجميع أمته، ووصية السلف بعضهم لبعضهم، فلا عجب إذا أن يبتدأ بها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نصيحته لمعاذ بن جبل وأبي ذر رضي الله عنهما.

إن التقوى هي سفينة النجاة، ومفتاح كل خير، كيف لا؟ وهي الغاية العظمى، والمقصد الأسمى من العبادة.. إنها محاسبة دائمة للنفس، وخشية مستمرة لله، وحذر من أمواج الشهوات والشبهات التي تعيق من أراد السير إلى ربه، إنها الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعدادُ ليوم الرحيل.

عن أبي ذر جندب بن جنادة، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل – رضي الله عنهما – عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي.

أعظم ما يوجهنا إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في هذه الوصية تقوى الله، عز وجل، التي هي جماع كل خير والوقاية من كل شر، بها استحق المؤمنون التأييد والمعونة من الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ» [النمل: 128]. ووعدهم عليها الرزق الحسن، والخلاص من الشدائد: «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * َويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ» [الطلاق: 2-3]. وبها حفظهم من كيد الأعداء: «وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا» [آل عمران:120]. وجعل للمتقين حقاً على نفسه أن يرحمهم: «وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» [الأعراف: 156].

ومن تمام التقوى، أن يترك العبد ما لا بأس به، خشية أن يقع في الحرام، ويشهد لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (.. فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه ) رواه مسلم، وفي هذا المعنى يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: ( تمام التقوى، أن يتقي الله العبد، حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حراماً، فيكون حجاباً بينه وبين الحرام، فإن الله قد بيّن للعباد الذي يصيرهم إليه فقال: ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) الزلزلة: 7 - 8، فلا تحقرن شيئاً من الخير أن تفعله، ولا شيئاً من الشر أن تتقيه.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت) تنبيه للمؤمن على ملازمة التقوى في كل أحواله، انطلاقاً من استشعاره لمراقبة الله له في كل حركاته وسكناته، وسره وجهره، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت) إشارة إلى حقيقة التقوى، وأنها خشية الله في السرّ والعلن، وحيث كان الإنسان أو صار، فمن خشي الله أمام الناس فحسب فليس بتقي، وقد قال تعالى في وصف عباده المؤمنين: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) ق: 33 - 34.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/6e9puxjm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"