عادي

ديار بكر.. مدينة السحر والجمال

21:15 مساء
قراءة 5 دقائق
جانب من الحدائق

إسطنبول: سومية سعد

ديار بكر مدينة في بقعة خضراء تشم عبق نسيمها على بعد كيلومترات منها، وحين تفتح عينيك لترى جمال الطبيعة فيها وتنعم بضيافتها، ترى الجبال وقد كستها الخُضرة من قمتها حتى سفوحها، وعلى صوت أنغام خرير الماء تتراقص أوراق الشجر، تشاهد ملاحم تاريخها من مساجد ومتاحف وقصور وحصون وقلاع وسدود وينابيع، وترى سحرها وهي ترسم على الجبال لوحة طبيعية مبهرة تبعث في النفس بهجة وتنثر في الأحاسيس طرباً وتمنح القلب دفئاً وطمأنينة بعيداً عن صخب الحياة، وتعد ديار بكر من أشهر مدن تركيا القديمة. التي تتمتّع بالجو الرائع، والعراقة والأصالة، المدينة التي احتلت القلوب وما زالت مستمرة بالحفاظ على تراثها، وتضم خليطاً من الحضارات.

اكتسبت المدينة مكانة عسكرية مهمة بتحصينات قوية في العام 359م، حيث حاصرها الملك الساساني شابور الثاني 73 يوماً واقتحمها، في العام 638 م دخلها المسلمون.

وتقع المدينة في جنوب شرق الأناضول، تتميز بجذور ثقافية وحضارية متنوعة متمثلة بالمتاحف والمعابد والقصور، والمناظر الطبيعية الممتدة على مرمى البصر في التلال والسهول.

ويعود تاريخها إلى أكثر من 8 آلاف عام وما زالت آثارها قائمة وشاهدة على ذلك المناطق العريقة، وتمتع بأهمية دينية وسياحية كبيرة، من خلال مساجدها وكنائسها وقلاعها وأسوارها وقبورها وأنهارها.

تُعتبر المدينة الثانية من حيث الكِبَر في منطقة الأناضول الواقعة في القسم الجنوبي الشرقي للدولة التركية حيث تبلغ مساحتها 15.272 كيلومتراً مربّعاً، وعدد سكّانها اليوم 1,362,708، وغالبيتهم من الأكراد.

أول مدينة

تعد ديار بكر أول مدينة دخلها الجيش الإسلامي عام 639 ميلادي، بقيادة الصحابي عياض بن غنم، في فترة الخليفة عمر بن الخطاب. وتحقق الفتح في حملة شارك فيها ألف صحابي، سقط منهـــم 27 شهيداً، قبورهم موجودة في مسجد «سليمان» بالمدينة، واكتسبت ديار بكر اسمها من العرب من بني بكر بن وائل بعد الفتح الإسلامي، ومنها دخل الإسلام إلى الأناضول.

الصورة

تحمل هذه المدينة أيضاً اسم مدينة (أميدا) الأثرية وتقع جنوب شرقي البلاد، وهي نقطة وصل تاريخية بين الأناضول وإيران والعراق وسوريا.

وتتميز بمزيج جميل من الهدوء والطبيعة الريفية الخلابة، وترى العصافير تتعالى أصواتها بالزغاريد على إيقاع حفيف الشجر، وعلى البسمات المتناثرة من ثغور الزائرين. وتُعتبر المساجد من أهم المعالم التاريخيّة للمدينة.

تاريخ ممتد

وتكمن أهمية ديار بكر في تاريخها المتواصل والذي لم ينقطع يوماً، حيث إنها شهدت مرور 36 حضارة عبر تاريخها بحسب الكاتب شيخموس ديكن الذي ألف العديد من الكتب عن هذه المدينة، ويقول أيضاً إن هناك أربع مدن في الشرق الأوسط والعالم تضاهي ديار بكر في تاريخها وهي «بابل، نينوفا، آفس وفيليس» ولكنها اليوم صارت مدناً للآثار والتاريخ، ولكن ديار بكر بقيت مدينة معمرة ومأهولة، وهنا تكمن أهمية هذه المدينة، حضارات عديدة مرت من هنا وتركت آثارها وحفرت نقوشها على أحجارها، لهذه المدينة أهمية ليس لدى الشعب الكردي فقط بل لدى الشعوب الأرمنية والأشورية، لهذا يقول الكاتب: لفتت ديار بكر نظري منذ صغري ففي هذه المدينة ولدت بين أحضان أسوارها ولأكثر من 25 عاماً أقوم بالبحث والتوثيق عن هذه المدينة وما زالت هناك أمور غامضة وتكشف يوماً بعد آخر ويندهش المرء أمام عظمتها.

قائمة التراث العالمي

الصورة

حدائق هيفسل أراض خصبة على ضفاف نهر دجلة مدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)وذلك خلال اجتماع لجنة التراث العالمي الذي عقد في مدينة بون الألمانية في 28 حزيران وبتأييد جميع أعضاء لجنة التراث العالمي متمثلاً بـ 21 دولة صدر قرار إدراج أسوار وأبراج ديار بكر وحدائق «هيفسل» المحيطة بها والمشهورة بخصوبة تربتها، والتي تعد بمثابة مستودع أغذية لسكان مدينة ديار بكر، مركز الولاية التي تحمل الاسم نفسه، وهذه وظيفة تلك الحدائق منذ آلاف السنين.

أسوار ديار بكر

يبلغ طول أسوار ديار بكر 5،8 كم، وتشمل العديد من الأبراج والبوابات والدعامات، والنقوش البالغ عددها 63 نقشاً تعود إلى عصور مختلفة، فضلاً عن حدائق «هوسال»، وهي عبارة عن رابطة خضراء بين المدينة ونهر دجلة.

وأسوارها تعتبر الثانية على مستوى العالم من حيث الطول بعد سور الصين العظيم، ولأن ديار بكر قديمة قدم التاريخ وعاصرت حضارات عديدة وتعرضت للغزوات والحروب، شيدت فيها عبر تلك الحضارات كنائس ومساجد كثيرة ومتميزة بعمارتها المبنية من الحجارة البركانية والممزوجة بالحجارة البيضاء.

قلعة ديار بكر

الصورة

مدينة ديار بكر المحصنة، الواقعة على جرف من أعالي حوض نهر دجلة، هي جزء من المنطقة المسماة «الهلال الخصيب»، كانت مركزاً مهماً منذ العصر الهيللينستي، وخلال العصور الرومانية والساسانية والبيزنطية والإسلامية والعثمانية حتى الوقت الحاضر. ويضم الموقع هضبة آمد المعروفة باسم «إيكال» (القلعة الداخلية)

وتقع القلعة بين مبان أثرية ومتحف وحدائق، كانت ولا تزال قبلة السياح والزائرين، وتضم المدينة جامع الصحابي سليمان بن خالد بن الوليد، وهو فاتح المدينة الذي استشهد في معركة الفتح عام 639، مع 26 صحابياً آخرين؛ فباتت قبورهم معلماً مهماً للزيارة.

الجزيرة الفراتيّة

وتعتبر المدينة جزءاً ممّا يُعرف بمنطقة الجزيرة الفراتيّة، المعروفة بخصوبة أرضها، كما تُعتبر ديار بكر الحدّ الشمالي الشرقي لكلّ الأقاليم الشماليّة السّوريّة.

ونجد جامع (ديار بكر الكبير) والذي بُني منذ أيام السلطان السلجوقي ملك شاه، إضافة إلى جامع (بهرام باشا العثماني)، وأيضاً جامعة (إسكندر باشا)، وهنالك منارة (الأقدام الأربعة)، وأيضاً في المدينة العديد من الكنائس الأثريّة والتي تُشكّل معلماً تاريخيّاً مهماً في المدينة ككنيسة (جرجيس) التابعة لطائفة الأرمن الأرثوذكس، ويعود بناؤها إلى القرن التاسع عشر للميلاد، وأيضاً الكنيسة السريانية، والتي تعود إلى القرن الواحد للميلاد.

وتمتلك مدينة ديار بكر العديد من المتاحف التي يزيد عددها على العشرة، ويأتي أهمّها (متحف العصور التاريخيّة)، والذي يمتدّ منذ العصر البرونزي إلى نهايات العهد العثماني.

جسر «أون كوزلو»

على نهر دجلة بمدينة ديار بكر يقع جسر «أون كوزلو» بإطلالته الساحرة ليكون منارة للسياح المحليين والأجانب الراغبين في الاستمتاع بمشاهدة مزارع «هفسل باهتشة» التي تحيط به من كل صوب ومن بين أظهره تنبع أعين الماء، فحتماً ولابد أن يذهب الضجر.

جسر «أون كوزلو» أو الجسر ذو الـ10 عيون كما يطلق عليه، يرجع إلى القرن السادس ليروي حكاية الماضي والحاضر في مدينة ديار بكر العريقة بحضارتها وتاريخها الذي يعود إلى أكثر من 10 آلاف عام.

ويعد جسر «أون كوزلو» واحداً من أهم الجسور التاريخية في تركيا، وكان يستخدم لعبور السيارات والناس حتى فترة قريبة، قبل أن يصبح حكراً على مرور المشاة للاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة.

جسر «أون كوزلو» بناه بالشكل الحالي المهندس المعماري يوسف عبيد أوغلو في عهد الدولة المروانية عام 1065 ميلادي، مستخدماً أحجار البازلت التي لعبت دوراً مهماً في الحفاظ على الهندسة المعمارية في المدينة

ويبلغ طول الجسر 178 متراً، وعرضه 5.6 متر، ويتألف من 10 فتحات على شكل أقواس تعبر من خلالها مياه النهر، ويبلغ طول أكبر فتحة منها نحو 15 متراً، ومن هنا جاءت تسميته بجسر العيون الـ10 نسبة لتلك الأقواس.

وتكشف بعض المصادر التاريخية أن تاريخ بناء الجسر يعود للقرن السادس الميلادي، ويعرف بأربعة أسماء وهي «أون كوزلو ودجلة وسيلفان، والمرواني.

وتعرض الجسر في فترات زمنية سابقة للهدم من قبل القوات الغازية ثم أُعيد بناؤه مراراً.

العديد من الحضارات

تزخر المدينة بالعديد من الحضارات وتخبئ بين حجارة أسوارها البازلتية قصص ملاحم وبطولات لا تزال شامخة تروي لنا ما جرى عبر قرون من الزمن، ديار بكر المدينة التي تعايشت فيها لغات وأديان وأقليات وألوان وثقافات متعددة، ولها أربع بوابات وهي (باب الجبل - أورفا - ماردين وباب خربوت) يتخللها 82 برج مراقبة وبنيت بهندسة معمارية جميلة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3h9p4xfb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"