مصر والإمارات.. قلب واحد

00:52 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمود حسونة

العلاقة بين مصر ودولة الإمارات هي علاقة شقيقين تربط بينهما لغة التفاهم برباط متين، وتتلاقى وجهات نظر قيادتيهما في مختلف القضايا الإقليمية والدولية، وكأنهما يفكران بعقل واحد وينهجان نهجاً واحداً؛ لذا فإن العلاقات المصرية الإماراتية تتجاوز المفهوم السائد حالياً لعلاقات الأشقاء، ولعل التوصيف الأدق لها أنها علاقة لتوأم متّحد الرؤى والمصالح والأهداف.

خمسون عاماً مرت على هذه العلاقة رسمياً والتي بدأت في عام مولد دولة الإمارات ذاته، ولكنها تسبق ذلك فعلياً عندما كانت مصر عبدالناصر ترتبط بعلاقة مع إمارات الدولة قبل اتحادها في ديسمبر/كانون الأول من عام 1972، وكان الرباط رباطاً شعبياً بين شعبين أدرك كل منهما قيمة ومعدن الآخر، ورسمياً بين مصر التي كانت تنفض عن نفسها غبار احتلال غاشم، والإمارات السبع التي كانت تكافح للتخلص من غبار احتلال ظالم. وبمجرد إعلان قيام اتحاد دولة الإمارات العربية، سارعت مصر لتكون من أوائل الدول اعترافاً بها وتقديراً لجهود مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الزعيم الوحدوي الذي عاش حياته عروبياً يجمع ويوحّد، وينبذ الفرقة والتشرذم، إدراكاً منه بأن الوحدة هي طريق النجاة لأمة العرب في عالم تعصف باستقراره أطماعُ المحتلين والطامعين.

المواقف الإماراتية الداعمة لمصر تعود إلى ما قبل قيام اتحاد الإمارات وازدادت بعد قيام الدولة، فالمغفور له الشيخ زايد سارع في أعقاب نكسة 1967 إلى مدّ يد العون لإزالة مخلفات العدوان على مصر، وفي حرب أكتوبر 1973 قال مقولته التي سيظل التاريخ مخلداً لها، وستظل ترنّ في أذن كل مصري وعربي مشغول بحاضر ومستقبل هذه الأمة: «سنقف مع المقاتلين في مصر وسوريا بكل ما نملك، ليس المال أغلى من الدم العربي وليس النفط أغلى من الدماء العربية التي اختلطت على أرض جبهة القتال في مصر وسوريا»، والتي قالها خلال مؤتمر صحفي في قلب العاصمة البريطانية لندن. كما أن التاريخ لن يسقط من صفحاته أنه أرسل ولي عهده آنذاك الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان (رحمه الله) ليشارك في المعركة مع الجنود المصريين على الجبهة.

الإمارات لم تتقبل القطيعة العربية لمصر، وقال الشيخ زايد: «لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود دون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال أن تستغني عن الأمة العربية».

لم تتعرض العلاقات بين البلدين لأي هزات سوى خلال العام الأسود الذي سطت فيه جماعة «الإخوان» الإرهابية على الحكم في مصر، وبعد قيام ثورة 30 من يونيو جنّدت الإمارات إمكانياتها الاقتصادية وأدواتها السياسية لدعم مصر، وكانت الكلمات التي قالها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي آنذاك، خلال استقباله في مصر حينئذٍ، أبلغ تعبير عن مواقف الدولة: «الإمارات لن تتخلى عن مصر، وتقدّر موقف الشعب المصري البطولي في القضاء على حكم الإرهاب والظلام، ولو كانت هناك «لقمة حاف» لاقتسمتها الإمارات مع مصر».

العلاقة التي تربط بين صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، هي التعبير المثالي عن طبيعة العلاقة بين الدولتين والشعبين، فهما الأكثر لقاء بين الزعماء العرب، والأكثر تنسيقاً بشأن مختلف القضايا الإقليمية والدولية، والأكثر إدراكاً لطبيعة التحديات التي تهدّد استقرار المنطقة والعالم، والأكثر وعياً بضرورة زيادة التعاون العربي بما فيه صالح شعوب المنطقة، وضرورة حل الخلافات العربية العربية داخل البيت العربي، وضرورة تعزيز الحوار بين الثقافات والحضارات، بما يضمن استمرار التواصل الإنساني لما فيه خير البشرية، وضرورة حل الأزمات والصراعات العالمية بلغة الحوار والدبلوماسية.

الإمارات تعي دور مصر الحيوي في المنطقة وستظل غالية على الإماراتيين، كما أكدت ذلك القيادة الإماراتية قولاً وفعلاً، ومصر تدرك جيداً أن الإمارات مركز جذب وقوة سياسية واقتصادية وعامل استقرار للأمة العربية؛ لذا فإنها تلتزم بوعد القيادة المصرية «مسافة السكة».

مصر والإمارات تحتفلان وتحتفيان بمرور 50 عاماً هذا الأسبوع، وتنشران الأمل بأن العلاقات المميزة تجلب الفرح للشعوب والدعم المتبادل والاستقرار للدول، ومن واجب المصريين أن يطلقوا اسم الشيخ زايد على مدن وشوارع ومناطق استراتيجية، وأن يطلقوا اسم الشيخ محمد بن زايد على محاور وقطاعات آنية ومستقبلية، ومن حق الإماراتيين أن يعتزوا بمكانة قيادتهم الرفيعة لدى المصريين، فالدولتان والقيادتان والشعبان على «قلب واحد».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3vat33

عن الكاتب

كاتب صحفي، بدأ مسيرته المهنية عام 1983 في صحيفة الأهرام المصرية، وساهم انطلاقة إصداراتها. استطاع أن يترك بصمته في الصحافة الإماراتية حيث عمل في جريدة الاتحاد، ومن ثم في جريدة الخليج عام 2002، وفي 2014 تم تعيينه مديراً لتحرير. ليقرر العودة إلى بيته الأول " الأهرام" عام 2019

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"