عادي

أحمد العامري: « الشارقة للكتاب » ذاكرة المنطقة

00:43 صباحا
قراءة 7 دقائق
  • المعرض نجح في تحقيق أهدافه الشاملة

الشارقة: «الخليج»
تفخر الأمم بما تحققه من منجزات خالدة، وبما تحدثه من تغيير في واقع مجتمعاتها ومجتمعات العالم وثقافته، وتبقى أبرز المنجزات تلك التي تُصنع بالكدح الفكري والوجداني؛ كونها منجزات إبداعية تختزل القيم والتراث والتاريخ في آن واحد، وتقدّمها للعالم هوية واحدة تتسم بالانسجام والجمالية.

في سياق هذا الحديث يحضر معرض الشارقة الدولي للكتاب مفخرة عربية وإنسانية، ومنجزاً يؤكد أن مساهمات الثقافة العربية لا تزال واضحة على ملامح المشهد الثقافي الإنساني، وأن لنا في الغد القادم مكان يليق بتاريخنا ودورنا في مشاريع الحضارات المختلفة.

بعد أكثر من أربعين عاماً من مسيرته يدخل المعرض مرحلة جديدة، تتضح فيها آثاره التنموية الشاملة.. عن هذه الآثار النوعية والكبيرة، وعن الطموح الذي يؤسس لمستقبل الثقافة العربية، يحدثنا في هذا الحوار أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب.

على أبواب الدورة ال41 من معرض الشارقة الدولي، يبرز سؤال مهم، ما الذي حققه المعرض بعد هذه المسيرة التاريخية الممتدة لأربعة عقود؟

إن ما حدد مكانة ووظيفة المعرض الذي يعد اليوم واحداً من أكبر ثلاثة معارض في العالم ومن أكثرها تأثيراً في مجالات النشر والترجمة والإبداع الثقافي وشراء وبيع الحقوق، هي رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة.

قرار صاحب السمو حاكم الشارقة، إطلاق معرض الشارقة الدولي للكتاب أحدث تحولاً نوعياً في الثقافة السائدة محلياً وعربياً، لم يكن المعرض حينها وليد الصدفة؛ بل وليد تراكمات وطموحات وأفكار وحكمة، وليد نظرة مستقبلية أسست للعلاقة بالكتاب والمعرفة وبالمجتمعات والثقافات الأخرى. ونستطيع القول إن الأربعين عاماً الماضية من عمر المعرض أسست وتؤسس للقرن القادم؛ بل تفتح آفاقاً مستقبلية غير محدودة للتنمية والازدهار والتقدم بالاستناد للمعرفة التي تثبت التجارب دوماً أنها القاعدة الصلبة لكل بناء معنوي كان أم مادي.

لقد أراد سموه للمعرض أن يستعيد مساهمة الثقافة العربية في المشهد الإنساني العالمي، أراد للكتّاب والمفكرين والعلماء العرب أن يكونوا في دائرة الضوء والتأثير مرة أخرى، أراد للمعرض أن يكون مسهماً رئيسياً في حماية التراث والموروث العربيين، وتحصين هوية المجتمعات العربية بملامحها وسماتها الخاصة لتكون نداً في علاقاتها مع هويات الأمم والشعوب الأخرى، لهذا تجاوز معرض الشارقة الدولي للكتاب الأدوار التقليدية لمعارض الكتب، وحقق نتائج كبيرة على الصعد الثقافية والاجتماعية والتنموية والإنسانية.

فضاء

لقد تجاوز المعرض منذ زمن بعيد كونه مجرد منصات لبيع الكتب والحقوق وتوقيع الاتفاقيات على أهميتها طبعاً، أصبح فضاء تلتقي فيه الحضارات والثقافات والشعوب لتتبادل في ما بينها منجزاتها الفكرية والإبداعية وتراثها وموروثها الذي تعتز وتفخر به، ويعد مسهماً أصيلاً ومركزياً في المسيرة الثقافية العربية والعالمية، ويشكل رافعة لاستنهاض حركة النشر والكتابة والقراءة وحاضنة للمبدعين، ومعيناً للكتاب والباحثين والناشرين والمترجمين. لقد أصبح المعرض ركيزة للتوازن الثقافي والاحترام المتبادل للاختلافات وتقديرها والتعامل معها كأدوات لفهم الهوية الخاصة لكل مجتمع وثقافة.

وبعد أربعين عاماً من التطور المستمر نستطيع القول بكل ثقة إن معرض الشارقة للكتاب حقق أهدافه الشاملة ومستمر في رسم غيرها للمستقبل، ورسخ أبعاده التنموية والثقافية والاجتماعية. لقد أصبح جزءاً أصيلاً من ذاكرة مجتمعات المنطقة وأبنائها، يحتل مكانة وجدانية خاصة تربطهم بالمعرفة والكلمة، وجماليات الفكر والفلسفة والفنون، وبات حدثاً مرتقباً أشبه بالاحتفالية بالكتاب وثقافات الشعوب وعاداتها.

الفعاليات الثقافية الكبرى تخلق وقائع جديدة على كافة الصعد، ما هي المتغيرات التي أحدثها معرض الشارقة الدولي للكتاب محلياً وعربياً؟.

دولة الإمارات حققت الكثير من التقدم والمنجزات التي يشهد لها العالم، بحيث أصبحت أحد الوجهات المفضلة للعيش والعمل للمهنيين والحرفيين والمبدعين وبشكل خاص لأصحاب المواهب، وتزامن انطلاق المعرض مع بدايات تشكل ملامح مسيرة التنمية للدولة، هذا التزامن بين التنمية والبناء والثقافة حدد مسار المجتمع الإماراتي وربط مصيره وطموحه بالكتاب والمعرفة والإبداع؛ كونه حدثاً محلياً بأبعاد عالمية أسهم معرض الشارقة الدولي بشكل كبير في نشأة قطاع النشر الإماراتي ودعم مسيرته ليصبح واحداً من أهم قطاعات النشر في المنطقة والعالم. يحتاج الناشرون المحليون للاطلاع على تجربة النشر العالمية، لبناء العلاقات والشراكات مع نظرائهم في العالم، للاستماع إلى آخر مستجدات النشر وتوجهاته، وهذا ما يوفره المعرض بشكل عام ومن خلال مؤتمر الناشرين الذي ينظم على هامش المعرض بشكل خاص.

من ناحية ثانية شكّل المعرض منصة للمؤلفين والكتاب الصاعدين وسلط الضوء على المبدعين الإماراتيين ومنحهم نافذة للاطلاع على الموروث الفكري والإنتاج الإبداعي الإنساني.

ويستقطب المعرض أبرز الكتاب والناشرين من مختلف دول العالم ويتيح فرصة التفاعل معهم من قبل الكتاب والمبدعين الإماراتيين، إلى جانب أن هيئة الشارقة للكتاب تحرص دوماً على حضور الكاتب أو المبدع الإماراتي في أهم الفعاليات الثقافية ومعارض الكتب العالمية، هذا الحضور يعزز انتماء الكاتب للمشهد الثقافي الإنساني العالمي، ويحفزه على التميز واختراق ما هو سائد لتقديم الجديد دوماً.

اليوم نحن ننظر للمعرض كمسهم رئيسي ومركزي في دعم الصناعات الإبداعية الإماراتية، ونحرص باستمرار على تخصيص مساحة لمنتجات ومنتجي هذه القطاعات، من حرف وفنون وإبداعات مختلفة تشير إلى أننا ذاهبون في الاتجاه الصحيح، وهو أن يبقى المعرض رفيق كل مشروع تنموي.

على المستوى العربي الذي يتداخل ويتشابك مع المستوى العالمي، يعتبر المعرض شريكاً في استعادة مكانة الهوية الثقافية العربية. لقد تزامن انطلاق الدورات الأولى للمعرض مع مساعي استعادة بريق ومكانة الهوية الثقافية العربية على الساحة العالمية، حيث شهدت سنوات النصف الثاني من القرن الماضي نهضة غير مسبوقة بالاهتمام باللغة العربية، والتاريخ والموروث العربيين، وكافة عناصر الهوية التي من خلالها نقدم أنفسنا لمجتمعاتنا وأجيالنا القادمة وللعالم أجمع.

هذه المرحلة على وجه التحديد كانت بحاجة إلى تعزيز العلاقات الثقافية بالذات بين المجتمعات العربية، بحيث يكون المشروع الثقافي العربي أكثر تنسيقاً، وشكلت معارض الكتب العربية محطة مناسبة لتعزيز هذه العلاقات التي أدت إلى استعادة ملامح الهوية الثقافية الجمعية والتي نقلها المعرض للعالم مستثمراً علاقاته وحضوره الدوليين، والمكانة التي حققها كأحد أكبر وأهم معارض الكتب الدولية.

لقد كنا مدركين لرؤية صاحب السمو، حاكم الشارقة، في هذه الناحية بالذات، وهي أن العلاقات المتكافئة والمثمرة والمستدامة مع العالم يجب أن تبدأ بالثقافة وتتعزز بها، لذلك لا نجافي الحقيقة في شيء إذا قلنا إن معرض الشارقة الدولي للكتاب قاد ويقود مسيرة تعزيز الروابط العربية مع ثقافات العالم المختلفة. لقد شكّل المعرض ضمانة لبناء علاقات دولية راسخة تقوم على قاعدة الاحترام للثقافة العربية ومنجزاتها.

ولم يقف دور معرض الكتاب عند هذا الحد؛ إذ يستمر في حمل راية الثقافة العربية وتقديمها للجمهور في عواصم ومدن العالم، ويستمر في تهيئة المناخ للناشر والكاتب والمبدع العربي ليحقق النجاح والتميز، ويصل إلى مساحات جديدة يبني فيها شراكات تدعم مساره المهني والمسار الثقافي العربي بشكل عام، كل هذا لأننا ندرك أن بناء الهوية الثقافية مشروع مستمر لا يتوقف؛ لأن الهوية الثقافية تنمو بالعمل وبالنجاحات وبالتجارب.

استقطاب

في كل عام يستقطب معرض الشارقة الدولي مزيداً من الناشرين والمشاركين، كيف أثّر هذا الاستقطاب في حركة النشر الدولي ومكانة المنطقة العربية بشكل عام؟.

الشارقة بوابة الناشرين الدوليين للمنطقة، هذه حقيقة تثبتها الأرقام والأحداث التي صنعها معرض الشارقة الدولي للكتاب وراكمها عاماً بعد عام. لقد بدأ المعرض منذ ما يزيد على أربعين عاماً ببضع دور فقط، لكن الرؤية البعيدة لصاحب السمو، حاكم الشارقة، ورعايته المتواصلة للمعرض جعلت منه وجهة أساسية للناشرين من كل دول العالم. في عام 2021 شارك في المعرض نحو 1600 ناشر، وهذا العام يشارك ما يزيد على 2213 ناشراً من 95 دولة، فضلاً عن طلبات المشاركة التي تم تأجيلها للسنوات القادمة بسبب عدم توافر مساحات.

إقبال الناشرين الدوليين على معرض الشارقة الدولي للكتاب يؤكد كثيراً من الميزات التي يتمتع بها المعرض، ومعه إمارة الشارقة بأكملها، أولها فعالية المعرض وفرادة تنظيمه وحجم جمهوره، ودوره في الارتقاء بحركة النشر والتأليف والترجمة وفي تعزيز عادة القراءة ممارسة اجتماعية ثابتة.

الميزة الثانية هي ملاءمة سياسات المعرض والخدمات اللوجستية التي تقدم للناشرين الذين يشعرون بمدى حرصنا وحرص الشارقة على التعريف بأعمالهم وجمعهم مع الجمهور المناسب، إلى جانب توافر مساحات آمنة ومناسبة لتخزين الكتب، وتسهيل نقلها للمشاركة في معارض كتب أخرى محلية وإقليمية.

أما الميزة الثالثة فهي أن المعرض مساحة ملائمة لالتقاء رواد صناعة الكتاب المعرفة والكتاب، وعقد الاتفاقيات لتسيير ونمو أعمالهم، والميزة الرابعة تتجسد في تنوع فعاليات المعرض وشمولية تخصصاتها، فهناك مؤتمر الناشرين والمكتبات وحضور دائم للمترجمين والكتاب، ورواد الفكر من مختلف دول العالم.

هناك ميزة أخرى ندين بها لمجتمعنا وللقارئ العربي، حيث يُستقبل الكاتب أو المفكر والناشر بحفاوة بالغة، حيث تمتاز الثقافة العربية بتقدير أصحاب الفكر والمبدعين من كتاب شعراء وفنانين، نحن نقدّر الإبداع الفكري أكثر من غيرنا، وهذا يعكس ما هو سائد بأن الحالة الثقافية العربية متراجعة فلا يمكن قياس هذه الحالة لأي شعب بمعزل عن علاقته الوجدانية بالإبداع، ونحن في هذه المساحة نتفوق على غيرنا بأشواط كبيرة، حيث جسدناها بتكريم الناشرين وإطلاق جوائز الترجمة والإبداع في النشر.

لهذه الأسباب ولغيرها، يفضل الناشرون الدوليون معرض الشارقة الدولي للكتاب، ولهذا أيضاً نحن نعمل بشكل مستمر على تهيئة المناخ وتطوير آليات التنظيم لتأمين مقومات التطور المستمر للمعرض ومخرجاته، ومكانته العالمية ليبقى حاضنة للإبداع والمبدعين من مختلف الثقافات والجنسيات.

تقنيات
الكتاب الورقي لا يزال مسيطراً على أسواق العالم، هذه حقيقة مهمة تؤكد مكانة معارض الكتب وما تقدمه من عناوين، سواء كانت قديمة أو جديدة، الكتاب الإلكتروني تراجع بشكل ملحوظ لصالح الكتاب الصوتي الذي يستكمل الكتاب الورقي ولا ينتقص منه؛ كونه يوفر خياراً آخر وهو خيار الاستماع للكتاب وقت الانشغال، وليس خياراً بديلاً بالمطلق عن القراءة التقليدية في الأوقات العادية.

أما بالحديث عن التقدم التقني فهو يدعم معارض الكتب ولا يتعارض معها. خلال جائحة كورونا كان معرض الشارقة الدولي للكتاب أول من وظف التقنيات لتأمين حضوره السنوي وتقديم كل ما يلزم للجمهور من كتب وفعاليات وأعمال. نظم المعرض دورة هجينة جمعت بين الفعاليات على الأرض وأخرى نظمت إلكترونياً، وكانت تجربة ناجحة جداً حملت ملامح ما قد تكون عليه معارض الكتب في المستقبل القريب.

من ناحية ثانية يعتبر المعرض خير دليل على تطور معارض الكتب وانتعاشها في ظل التقدم التقني. لقد زاد الإقبال على المعرض من قبل الناشرين والجمهور أضعافاً مضاعفة خلال السنوات الماضية، حتى مع ظهور الكتب الصوتية والإلكترونية المقروءة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/jz89kvmd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"