عادي
(جبر الخواطر)

الإحسان إلى المساكين

00:04 صباحا
قراءة 4 دقائق

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

إن الشفقة والرأفة والرحمة على خلق الله، خصوصاً ضعفاء المسلمين من مساكين وأيتام لها أثر عند الله عظيم، ولها موقع في الحسنات ودفع السيئات، وتنزل الرحمة، ودفع النقمة، ولها أثر كبير في حسن الخاتمة عند الموت.

لقد ذكر الله تعالى المساكين في كثير من آيات القرآن الكريم، فأمر بالإحسان إليهم ومواساتهم وتفقد أحوالهم ومساعدتهم، قال الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (النساء:36)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اللهم إني أسالك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين).

يقول عدنان الطرشه، في كتاب «ماذا يحب النبي» أن المساكين هم الذين أسكنتهم الحاجة وأذلتهم، وهم المحتاجون من ذوى الحاجات الذين لا يجدون من يقوم بكفايتهم، واختلف في أيهما أسوأ حالاً من الآخر الفقير أم المسكين. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يُفطن به فيُتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس).

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب المساكين، ويدعو الله تعالى أن يحييه مسكيناً، وأن يميته مسكيناً، وأن يحشره في زمرة المساكين، فعن أبى سعيد الخدري قال: أحبوا المساكين، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: «اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين». وكان صلى الله عليه وسلم يسأل عن المساكين ويستفسر عن أحوالهم، فيساعد محتاجهم، ويعود مريضهم، ويخرج في جنائزهم، ويصلي عليهم. وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره أن مسكينة مرضت، فأُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضها- وكان صلى الله عليه وسلم يعود المساكين، ويسأل عنهم – فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ماتت فآذنوني». فأُخرج بجنازتها ليلاً، وكرهوا أن يوقظوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح رسول الله أُخبر بالذي كان منها، فقال: «ألم آمركم أن تؤذنوني بها؟ قالوا: يا رسول الله كرهنا أن نوقظك ليلاً، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صف بالناس على قبرها، وكبر أربع تكبيرات».

وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يمتاز به المساكين يوم القيامة، إذ إن عامة من يدخل الجنة هم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين، وأصحاب الجدّ محبوسون»، أصحاب الجدّ، قيل: أصحاب البخت والحظ في الدنيا والغنى والوجاهة بها، وقيل: أصحاب الولايات، وهم ممنوعون من دخول الجنة مع المساكين والفقراء من أجل المحاسبة، ويسبقهم الفقراء والمساكين إلى دخول الجنة بخمسمائة عام كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: «يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم، وهو خمسمائة عام»، لأن طول اليوم هو ألف سنة كما في قوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّون}. فما أعظمه جبراً للخواطر من الله ورسوله للمساكين.

وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الذكر، ويقل اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصر الخطبة، وكان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد، حتى يقضي له حاجته». وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل، الصائم النهار». والساعي هو الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع المسكين.

وعن أبي هريرة أن رجلاً شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال له: إن أردت أن يلين قلبك، فأطعم المسكين، وامسح رأس اليتيم، فجعل صلى الله عليه وسلم إطعام المسكين سبباً في تليين القلوب القاسية. وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على إعطاء المسكين أدنى ما تيسر، وعدم رده بلا شيء، فعن أم بجيد قالت: يارسول الله! صلى الله عليك، إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد له شيئاً أعطيه إياه؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لم تجدي له شيئاً تعطينه إياه إلا ظلفاً محرقاً، فادفعيه إليه في يده.(وظلفاً محرقاً، يعنى حافراً محروقاً من بقر أو شاة)، وفى الحديث، الحثُ على الرحمة بعباد الله تعالى، ومُراعاة خواطرهم، والحثُّ على الصدقة، ولو بشيء قليل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/59mxy3m5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"