صندوق النقد والإنقاذ

23:10 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة*

توقيع الاتفاق مع صندوق النقد لا ينهي مشاكل لبنان متعددة الأنواع والأبعاد. مشاكل لبنان ليست مالية فقط، بل أعمق. لا يستطيع صندوق النقد حل كل مشاكلنا، ولا صلاحية له لذلك. حقيقة يصعب حكم لبنان في أوضاعه الحالية الدستورية والسياسية والمؤسساتية والأخلاقية، ما يؤثر سلباً في الاقتصاد، في نموه وتنوعه واستمراريته. ومشكلة لبنان هي دستورية مؤسساتية سياسية تنعكس سلباً على الاقتصاد والمال والنقد. وحاولنا خطأ، حل كل مشاكلنا العميقة عبر السياسة النقدية التي يديرها مصرف لبنان، ولم ننجح. يستطيع مصرف لبنان تخفيف الأوجاع فقط، وليس معالجة الجرح اللبناني الواسع.

 مشاكل الدستور اللبناني كثيرة وكبيرة، لكن أهمها أنه يخلق العقد ويعزز الخلافات بين المسؤولين، ما يفسر الوقت الكبير الضائع لتأليف الحكومات، وصعوبة اتخاذ القرارات، ووضع التعيينات. البلد معطل منذ مدة ليس بسبب السياسيين فقط، وإنما بسبب الآليات الرسمية الضبابية التي تعطل كائناً من كان في السلطة. وآليات حل المشاكل غير واضحة، بل تعقّد الأمور. وجاءت بدعة تعطيل مجلس الوزراء إذا تغيب مذهب، وليس طائفة، عن الاجتماعات، فتتعطل الدولة كلها. الميثاقية مرتبطة بالطائفة، وليس بالمذهب، وإلا دخلنا في حلقة مفرغة مضرّة. فبسبب تغيّب ممثلي طائفة معينة عن الاجتماعات بسبب تحقيق مرفأ بيروت، توقف مجلس الوزراء عن الاجتماع وزاد انهيار البلد. ومن الممكن ولأسباب أخرى، أن يتغيب ممثلو مذهب آخر فتتعطل الدولة مجدداً. آخر ما نريده في لبنان هو التعطيل، وأكثر ما نريده هو العمل ورفع الإنتاجية.

 عندما يصدر وزير الخارجية بياناً في موضوع السياسة الخارجية تقوم القيامة على دور الوزير ومحتوى البيان، ويكاد يطعن في صدقيته. وما جرى مع وزير في موضوع معين يمكن أن يحصل مع آخر في مواضيع أخرى. فإن أخذ وزير ما موقفاً معيناً، ربما خاطئاً أو عكس قناعاتنا قبل توليه السلطة، يعاقب بالاستقالة. ويمكن أن يحصل الشيء نفسه مع شخص آخر بمواقف مختلفة. لذا تقوم الدول الغربية بدراسة تاريخ أي شخص قبل تعيينه في مركز عام، تفادياً للوقوع في مشاكل مماثلة. وإذا حاسبنا كل السياسيين اللبنانيين على كل التصاريح والمواقف التي يقومون بها قبل تسلمهم المسؤولية، أو خلالها، أو بعدها، والتي تتغير أحياناً 180 درجة من دون عناء بين ليلة وضحاها، ربما لا يبقى أحد في السلطة. جنون السياسة اللبنانية يضر ليس السياسيين فقط، بل يجعل أي إنسان يفكر عشرات المرات قبل أن يدخل في المنافسة السياسية.

 وتعيين السفراء أو الموظفين هو دائماً مصدر خلاف، أو صراع سياسي، إذ يعتمد على كل الشروط، إلا معايير الكفاءة والنزاهة والصدقية. فقط التعطيل في الأعياد لا خلاف عليه، علماً بأن عدد هذه الأيام ربما هو الأعلى في العالم، في وقت إنتاجية اقتصادنا من الأدنى. إن أسوأ أنواع القيادة في كل حال هي القيادة الجماعية، أي الجميع داخل الحكم، لا معارضة، ولا موالاة، وهذا عجيب ويؤدي إلى غياب المحاسبة.

*  كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9ffuk8

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"