عادي
(جبر الخواطر)

الابتسامة تطيب النفوس والخواطر

22:27 مساء
قراءة 4 دقائق

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

يذكر محمد صالح المنجد في كتاب «تطييب الخواطر» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، يعني: أن إظهارك البشاشة والبشر إذا لقيته، تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة، فضلاً عن كونها تطيب النفوس والخواطر، وتزيد المحبة.

إن البسمة كانت إحدى صفات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي تحلّى بها، حتى لم تعد الابتسامة تفارق مُحيّاه، فأصبحت عنواناً له وعلامةً عليه، يُدرك ذلك كل من صاحبه وخالطه، وكتب السيرة مملوءة بالمواقف التي ذُكرت فيها طلاقة وجه النبي، صلى الله عليه وسلم، فتراه يخاطب من حوله فيبتسم، أو يُفتي الناس فيضحك، أو تمرّ به الأحداث المختلفة فيُقابلها بإشراقة نفس وبشاشة روح.

ابتسامته للأعداء

ويذكر الشيخ محمد حسان في «موسوعة الآداب الإسلامية» أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كان من أشرح الناس صدراً وأعظمهم قدراً، وأعلاهم شرفاً وأبهاهم وجهاً، وأكثرهم تبسماً صلى الله عليه وسلم، وما كان يتكلف الضحك، ولا يختلق الابتسامة؛ بل كان يمتلك نفوس أصحابه رضي الله عنهم بابتسامته المشرقة، وضحكته البريئة، الهادئة اللطيفة، ليكسب قلوبهم ويفوز بودهم، ليقبلوا على هديه، ويرتضوا نهجه، ويجيبوا دعوته، وانظر إلى هذه الابتسامة التي ملكت لُبّ هذا الصحابي وأسرت فؤاده، يقول فضالة بن عمير الليثي: «قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو يطوف بالكعبة، وكنت أريد قتله، فلما اقتربت من الرسول صلى الله عليه وسلم قال لي: أفضالة؟ قلت: نعم فضالة يا رسول الله، قال: ماذا كنت تحدث نفسك ؟ قلت: لا شيء، كنت أذكر الله، قال: فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لي: استغفر الله، ثم وضع يده على صدري، فوالله ما رفعها حتى ما من خلق الله شيء أحب إليّ منه» وأسلم فضالة رضي الله عنه وأرضاه وحسن إسلامه. فما أكرم من ذلك تواضع ومغفرة وتطييباً للخواطر حتى مع الأعداء.

وفى قصة أخرى، كان سعد بن أبي وقاص رامياً جيداً يجيد رمي السهام ولا يخطئ هدفه، وكان هناك رجل من الكفار قد احتمى بترس، ويتكلم بكلام قبيح في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما رفع رأسه من الترس ولم تظهر إلا مقدمة رأسه، أصابه سعد بن أبي وقاص ولم يخطئ، فوقع الرجل على استه، وصار أعلاه أسفله ورفع رجليه، وهنا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالغ في الضحك حتى ظهرت أسنانه.

وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: «وقع عليّ من الهمّ ما لم يقع على أحد، فبينما أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر قد خفقت برأسي من الهمّ، إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرك أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا». فما أجمل من ذلك من رحمة وجبر للخاطر.

ابتسامته مع الصحابة

وقال جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: «ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا ضحك». وقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصفه: وكان جُلّ – أي معظم - ضحكه التبسّم، يفترّ عن مِثل حبّ الغمام – يعني بذلك بياض أسنانه.

وكذلك ما رواه الإمام أحمد أن صهيب بن سنان رضي الله عنه قدم على النبي، صلى الله عليه وسلم، وبين يديه تمر وخبز، فقال له: (ادن فكل)، فأخذ يأكل من التمر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن بعينك رمداً)، فقال: يا رسول الله، إنما آكل من الناحية الأخرى، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم.

وأحياناً كان النبي صلى الله عليه وسلم يروي أخباراً فيبتسم عند ذكرها أو يضحك عند روايتها، كضحكه صلى الله عليه وسلم عند ذكره بشارة الله عز وجل له بركوب أناس من أمته للبحر غازين في سبيل الله، وعند ذكر حال آخِر من يدخل الجنة من أهل الدنيا، وعند سماعه لقول أحد الأحبار في وصف عظمة الله عز وجل، وفي قصة الرجل الذي استأذن ربه أن يزرع في الجنة.

وحتى في غضبه صلى الله عليه وسلم يبتسم، ففي شدة عتابه صلى الله عليه وسلم للذين تخلفوا عن غزوة تبوك، لم تغب هذه الابتسامة عنه وهو يسمع منهم، يقول كعب رضي الله عنه بعد أن ذكر اعتذار المنافقين وحلفهم الكاذب: فجئتهُ فلما سلمت عليه تبسم تبسُم المُغضب، ثم قال: تعال. فجئتُ أمشي حتى جلستُ بين يديه. ويسمع أصحابه يتحدثون في أمور الجاهلية - وهم في المسجد - فيمر بهم ويبتسم، بل لم تنطفئ هذه الابتسامة عن محياه الشريف.

(ابتسامة آل البيت)

عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته ألين الناس، وأكرم الناس، كان رجلاً من رجالكم إلا أنه كان ضحاكاً بساماً. وقالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين، فأهدي لنا طعام فأكلنا منه، ودخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم فابتدرتني حفصة فقالت: يا رسول الله، أصبحنا صائمتين، فأهدي لنا طعام فأكلنا منه، فتبسّم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( صوما يوماً مكانه).

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n8m75d3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"