المعركة.. من أجل العقل

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ندى أحمد جابر *

بعد المعارك التي شهدتها أروقة الكونغرس والاتحاد الأوروبي ضد شركات التطبيقات التي تنتهك خصوصية البيانات والتي لم تصل إلى نتيجة سوى غرامات مالية مثل.. «معركة» فيسبوك مع لجنة التجارة الفيدرالية التي انتهت بتغريم فيسبوك مبلغ 5 مليارات دولار، بحسب ما نشر في موقع (بي بي سي) 25 يوليو/ تموز 2019؛ حيث تم إجبار الشركة على إنشاء لجنة مستقلة للخصوصية لا تخضع لسيطرة المدير التنفيذي للشركة مارك زوكربيرغ. القرار جاء بعدما تأكد بيع بيانات 87 مليون مستخدم لفيسبوك بصورة غير قانونية إلى شركة الاستشارات السياسية (كامبريدج أناليتيكا). 

 يُذكر أن التحقيق اتسع ليشمل قضايا أخرى مثل خاصية التعرف إلى وجوه المستخدمين، وبالتالي تحديد هويتهم وميولهم. وفي هذا قال جو سيمونز رئيس لجنة التجارة الفيدرالية: «إن الغرامة المالية الكبيرة تهدف إلى تغيير ثقافة الخصوصية بشكل كامل، لتقليل احتمالية استمرار الانتهاكات». وفي 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 كانت معركة موقع (جوجل) مع 40 ولاية أمريكية؛ حيث غُرمت مبلغ 392 مليون دولار في اتهامات انتهاك الخصوصية؛ وذلك نقلاً عن وكالة (أسوسيتد برس). الأمر نفسه تكرر في الاتحاد الأوروبي؛ حيث تعرضت هذه الشركات لغرامات مماثلة ولنفس السبب.

 اليوم سنكون أمام معركة جديدة «معركة» خصوصية العقل.. وخصوصية الأفكار التي أصبح بمقدور الذكاء الاصطناعي اختراقها.. المعركة من جل العقل أو (The battel for the Brain) هو عنوان الكتاب الذي صدر الشهر الماضي للكاتبة نيتا فراهاني، وأثار ضجة في الأوساط الثقافية، كما ورد في صحيفة «ذا غارديان» (26 مارس/ آذار 2023) التي اهتمت بالكتاب، كون الكاتبة باحثة في مجال تأثير التكنولوجيا بيولوجيا في العقل البشري، وكانت عضواً في لجنة أوباما لدراسة تأثير التكنولوجيا بيولوجياً في نواحٍ عدة.

 علماً أن اللجنة تأسست عام 2016 واستمرت حتى عام 2018 أي قبل أن تبرز مخاوف اليوم من ثورة الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته التي تعدت حدود البيانات إلى الدخول في خصوصيات العقل والتفكير. بكلمة أخرى سيكون بمقدور التطبيقات، قراءة أفكارك وكما علمنا، بدأت بالفعل شركة مثل (فيسبوك) تستعمل الذكاء الاصطناعي، لقراءة تعابير الوجه، وهو اختراق جديد للخصوصية. والمؤسف أن المخابرات الأمريكية استعانت بها في استطلاعات الرأي خلال الانتخابات، أي شرعتها.

 تُطالب الدكتورة فراهاني بسن قوانين دولية تحمي العقل من هذا الاختراق الذي سيفقد الإنسان أهم خصوصياته.

وتقول الكاتبة: «أفكارنا الخاصة لن تصبح خاصة بعد اليوم. يبشرنا الذكاء المخترق لأفكار المستخدم، بعالم من الكوابيس؛ حيث الآراء والأفكار السياسية يمكن أن تتداخل مع الهواجس والمشاعر، بفضل التقدم في التكنولوجيا العصبية وقد «يُعاقب» عليها البعض على الرغم من كونها قد تكون آنية وخاضعة لضغطٍ معين، أي أنها ليست قناعة؛ بل مجرد فكرة».

 وبحسب الكاتبة أن سن قانون دولي لتحريم استخدام هذه التقنية هو المطلب السائد بين علماء الأخلاق والقانونيين في العالم. وتوضح الكاتبة بأن مثل هذه التدخلات التكنولوجية في العقل البشري، ستصبح قريباً جداً حديث العامة وتثير مخاوفهم ويجب على المُشّرعين أن يَقرروا قوانين دولية لحماية الدماغ، وهي المساحة الوحيدة التي ما زلنا نمتلكها للراحة وخصوصية المشاعر الداخلية. التطور الهائل في التكنولوجيا إذا ما تم من دون مراقبة وقوانين رادعة لتتبع الأفكار الخاصة، سيشكل خطرا مدمراً للإنسانية.

 يُعد الكِتاب بمنزلة نداء عاجل إلى حماية حرية البصمات المعرفية التي تدخل في نطاق الأخلاقيات الإنسانية والتي تُعرف ب(الحرية الذهنية).

 بالتأكيد تقنية اختراق عقل المستخدم ستصل إلى تطبيقات وابتكارات أخرى للذكاء الاصطناعي. ومن المعروف أن شريحة (ماسك) تعمل على الدماغ، لتمكنه من قراءة الأفكار مباشرة.. كما تم استخدام شرائح سمحت للمشلولين بتجربة التحكم في طرف صناعي بكتابة نص على شاشة فقط بمجرد التفكير.. هذا الجانب الإيجابي.. لكن الجانب السلبي يذكرنا برؤية (جورج أورويل) في كتابه (1984) الذي تخوف فيه من جريمة غسل الدماغ وفقدان الإنسان لحريته العقلية.

 السؤال: هل يوجد قانون يحمي من وقوع تلك التقنية في أيادٍ تستغلها في الشر؟ هناك تهديد واضح فيما يسمى (ببصمة الدماغ)؛ حيث سنفقد الحق في حرية امتلاك النية الخاصة. والخطر الأكبر أن طموح التكنولوجيا لن يتوقف عند استباحة الأفكار والنوايا؛ بل إلى التأثير فيها وجرها إلى حيث مصالحهم.. التكنولوجيا تتطور لكن القوانين الدولية لا تتغير.

الكاتبة ومعها الكثير من الباحثين يدقون نقوس الخطر..

إذا خرج المارد من الفانوس من سيعيده؟

* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/t4ahx2ex

عن الكاتب

كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"