سوريا والتحولات الراهنة

00:32 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

نجحت سوريا في العودة إلى محيطها العربي بقدر ما نجح العرب في احتضانها، في ظل تطورات إقليمية ودولية متسارعة وتحولات عميقة باتت تستدعي لم الشمل العربي وتوحيد الصفوف في مواجهة التحديات الكبيرة التي تشهدها المنطقة والعالم.

  هذا النجاح، الذي يكتب لسوريا والعرب معاً، لم يكن وليد الصدفة، وإنما جاء تتويجاً لجهود وتحركات عربية حملت معها رؤى ومقاربات جدية لحل الأزمة السورية، وكان آخرها اجتماع عمان الخماسي، وقبله اجتماع جدة لمجلس التعاون الخليجي.   

  ولعل أهم هذه الرؤى على الإطلاق هو تفعيل الدور العربي في حل هذه الأزمة، بعد أن أيقن الجميع أن غياب الدور العربي الفاعل وتغييب سوريا عن العرب يُبقي سوريا ساحة مفتوحة للصراع والانقسام والاستقطاب والتدخلات الخارجية. ويبقيها أيضاً جرحاً نازفاً في الجسد العربي، من المؤكد أن تداعياته ستطال الجسد برمته، وبالتالي فإن هذا النجاح لا بد أن يكون مفتاح حل للأزمة السورية بشكل نهائي، وفق مقاربات سياسية وعملية تستند إلى توافق السوريين أنفسهم، بدعم وتفاعل عربي إيجابي، وبما لا يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية. 

   هذه المقاربات لن تكون سهلة، بطبيعة الحال، لكنها ليست مستحيلة في ظل التطورات الإقليمية والدولية المتسارعة. فالجميع يدرك أن العالم يتغير، وأن هناك قوى دولية كبرى بدأت تفرض نفسها على الساحة الدولية مع ظهور روسيا والصين وتكتلات اقتصادية دولية (مجموعة بريكس) وغيرها، وهناك أيضاً تقاربات إقليمية ومساعٍ لحل المشكلات القائمة في المنطقة، وجهود روسية تبذل لمصالحة دمشق وأنقرة، ما يعني أن هناك حاجة لإغلاق الملف السوري، لكي يتمكن العرب مجتمعين من مواجهة هذه التحديات. 

   لقد أثبتت السنوات الماضية، أن عزل سوريا والإخفاق في إيجاد حل للأزمة، لا يساهمان فقط في مفاقمة معاناة السوريين ويعمقان مأساتهم على كل المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، وإنما يظلان عاملين من أهم عوامل عدم الاستقرار في المنطقة، بما ينعكس على دول الجوار والمحيط العربي، في وقت يتطلع فيه الجميع إلى تحقيق الأمن والاستقرار وتسريع وتائر التنمية عوضاً عن التناحر والصراع. ومما لا شك فيه، أن سوريا بحاجة للحضن العربي، ليس فقط في مرحلة البناء وإعادة الإعمار، وإنما لإعادة توازنها وثقلها الجيو استراتيجي، الذي يمثل بدوره دون شك قوة إضافية للعرب. 

  وفي كل الأحوال فإن عودة سوريا التي طال انتظارها للحضن العربي واستعادة عضويتها في الجامعة العربية، وما يرافقها من حراك سياسي مكثف، يفتح الطريق أمام حوار جدي وبنّاء لحل المشاكل المستعصية، بدءاً من الجوانب الإنسانية كعودة اللاجئين والإفراج عن المعتقلين وغيرهما، مروراً بتوفير الأرضية المناسبة للتوافق السوري السوري، وصولاً إلى الدفع باتجاه خروج القوات الأجنبية وإعادة بسط سلطة الدولة على كل أراضي البلاد. وهي كلها قضايا لم تكن في المتناول بغياب الدور العربي الفاعل واحتدام الأزمات الدولية والإقليمية التي تصدرت الاهتمام العالمي. وهو ما يعني أن الفرصة باتت مؤاتية لحل جذري للأزمة السورية وإنهائها لمصلحة السوريين والعرب .

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3s52hcdp

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"