بايدن و«النيران الصديقة»

00:33 صباحا
قراءة دقيقتين

«المصائب لا تأتي فرادى».. هذا هو حال الرئيس الديمقراطي جو بايدن ومسار حملته الانتخابية التي لم تكتمل وانتهت بتنحيه نهائيا عن السباق، بعد عاصفة «النيران الصديقة» التي هبت من كل الاتجاهات للمطالبة بانسحابه، قبل أن يدهمه فيروس «كورونا» في لحظة غير مناسبة على الإطلاق، مما فاقم من حالة الضبابية وعدم اليقين التي يرزح تحت عبئها بايدن وحزبه الديمقراطي.

ليست محاولة اغتيال ترامب ولا أداء بايدن الكارثي في المناظرة التي هزت أعماق الديمقراطيين، ودفعت كبار المانحين إلى وقف ضخ الأموال في حملته الانتخابية، ولا حتى تعرضه لغزو فيروس «كورونا»، هي وحدها ما أوصل بايدن إلى قرار التنحي، وإنما لأن فرصته في هزيمة خصمه الجمهوري ترامب والفوز بولاية ثانية والبقاء على عرش البيت الأبيض تبدو محدودة إن لم تكن منعدمة. الوهن الذهني والعجز الجسدي كانا باديين عليه منذ وقت طويل، وكان ذلك واضحاً للجميع في عجزه الجسدي وحركاته ومشيته وضعف ذاكرته وخلطه بين الأسماء والوقائع والأحداث، وهي علامات على كبر سنه، لكن الأهم هو ضعفه السياسي، إذ يعتبر بين الأضعف في تاريخ الرؤساء الأمريكيين، ومع ذلك، لم يعترض أحد على ترشحه لولاية جديدة إلا بعد المناظرة الكارثية في أواخر يونيو/ حزيران الماضي، التي بدا فيها «مستسلماً»، والتي فضحت كل شيء، وأقنعت الكثيرين في حزبه وفي خارج حزبه بعدم صلاحيته لتولي رئاسة أكبر دولة عظمى في العالم لأربع سنوات مقبلة.

ومن المفارقات أن هذا الأمر ينطبق على خصمه ومنافسه الجمهوري ترامب الذي يصغره بنحو ثلاث سنوات، وكأن قدر أمريكا قد وضع بين يدي عجوزين، ولا ندري إلى أي مدى يمكن اعتباره مؤشراً على أن أمريكا قد شاخت بالفعل، لكنه يذكرنا بالسخرية الأمريكية من عجائز «الكرملين» إبان العهد السوفييتي.

ومع انجلاء الأمر بانسحاب بايدن من المنافسه، فإن اتجاه الرياح يسير لصالح ترامب. وإذا كان إرث بايدن الحقيقي يعتمد على هزيمة ترامب في انتخابات 2020، بعد أن توحد الديمقراطيون خلفه، بينما كان خصومهم الجمهوريون منقسمين، فإن المعادلة انقلبت رأساً على عقب بغض النظر عن مضمون الخطاب والبرنامج السياسي المتناقض إلى حد بعيد لدى كلا الفريقين. وبالمحصلة، هناك جمهوريون موحدون خلف ترامب، الذي شق طريقه رغم المحاكمات والدعاوى وعشرات التهم الجنائية، مقابل ديمقراطيين انفضّوا فعليا من حول بايدن، وتعالت أصواتهم المطالبة بتغييره، وهو ما تحقق مساء أمس.

صحيح أن معظم كبار قادة الديمقراطيين، خصوصاً في «الكونغرس»، لم يتخذوا موقفاً حاسماً بعد تجاه اختيار مرشح بديل، بانتظار المؤتمر العام للحزب الشهر المقبل، إلا أن رياح التغيير باتت أقوى من تثاقل خطوات الديمقراطيين، وبات من الواضح أن الأمريكيين يبحثون عن «أمريكا قوية» الذي يجسده شعار الجمهوريين عوضاً عن الهزال والضعف الذي ظهرت به في عهد بايدن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/d38ew52b

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"