أي مستقبل ينتظرنا؟

00:36 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

لا يمكن الوقوف بشكل يقيني على قيمة الدراسات المستقبلية في العالم العربي، لا من حيث الكم ولا الكيفية التي تتصور بها معظم المؤسسات الرسمية والمراكز البحثية المستقلة أو التابعة للحكومات أو المنظمات ما سيكون عليه غد هذه المنطقة التي لا تهدأ.

 من المؤكد أن هناك دراسات، لكن من غير المعلوم مدى الاستناد إليها في صنع القرار أو التهيؤ لمخاطر منتظرة. 

 لا يمكن تصور أن العالم العربي كاملاً يترك قواربه للريح تلقي بها أنّى شاءت، متجاهلاً كل ما فيه من عقول وإرث معرفي يتصل بالتدبر والتحوط. 

 هناك جهود، بلا شك، وفيها من الرصانة ما يغري بالإنصات إلى أصحابها، لكن الأرجح أن معظم العالم العربي يتعامل مع الدراسات المستقبلية باعتبارها ترفاً أو تنظيراً يليق بأرباب المكاتب المكيفة الذين لا يشعرون بجمر الاشتباك مع الوقائع اليومية فينشغلون بالغد الذي هو في علم الغيب.

 على كلٍّ، هناك ما يستدعي أن نقرأ، ونفهم، ونستوعب، ونطبق، ونأخذ حذرنا فيما يخص عنصراً أصيلاً في مستقبل هذه المنطقة، أي أطفالها، وإن كنا اتهمنا يوماً بأننا لا نجيد هذه الأفعال.

 أقطار عربية قليلة هي التي تضع في صلب خططها للمستقبل تهيئة أطفالها لتحدياته وأخطاره، والبقية تتركهم للظروف كبقية الملفات، لكن الأخطر هو تجاهل واقع الأطفال في الدول العربية التي لا تعرف الاستقرار.

 إذا وضعنا ما حدث في العراق قبل عشرين عاماً مبتدأً للبحث، ربما لن نجد في خزائننا نتائج دراسات رافقت أطفال هذا البلد في عقدين لتخلص إلى ما أصاب نفوسهم من هول ما جرى. هؤلاء أصبحوا شباباً الآن، وليس بوسع أحد أن يقرر قدر ما لحق بهم من أذى لا تقف آثاره عندهم. والأمر نفسه ينطبق على ما جرى في ليبيا وسوريا واليمن، وما يعيشه السودان. فالتعامل مع الحاضر وضروراته وتقلباته السياسية يعمي عن واقع الصغار، أي تحويل النظر عن المستقبل.

 حتى وسط أخبار الصراعات، لا يتوقف أحد عند من ينبّه إلى ما بات يعرف بأمراض الحروب وتداعياتها كاللجوء والنزوح والترويع والاستغلال وفقدان الأهل والرفاق والحرمان من التعليم ومرافقه. ولكل ذلك تبعات نفسية قد تطول إذا لم تعالج.

 طبعاً، لا علاج خير من إنهاء الأسباب التي قادت إلى ذلك كله، لكن ما دام ذلك مستحيلاً، حتى الآن على الأقل، فليكن التعامل مع النتائج أكثر جدية.

 نحتاج إلى معرفة ما انتهى إليه شباب العراق الذين عاينوا سنواته الصعبة، وتتبع أثر مثيلتها في ليبيا وسوريا واليمن والسودان، وربما غيرها. 

 والأمر أكبر من مجرد الاهتمام بهؤلاء بوصفهم من ضحايا الصراعات، فما يرسخ في نفوسهم، فضلاً عمن يكون خرج منهم بعاهة تلازمه، هو بعض مما سيكون عليه مستقبلهم، وبالتبعية مستقبلنا المشوّه المنكِر لكل المعاني الجامعة على مستوى الوطن الواحد أو الأمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4aukmy9w

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"