منتدى مستقبل التمويل

23:14 مساء
قراءة 3 دقائق

عدنان أحمد يوسف *

شاركت مؤخراً في منتدى مستقبل التمويل الذي عقد في أبوظبي والذي حضره كبار المصرفيين والمسؤولين الماليين والرسميين، حيث ناقش مواضيع جوهرية وعلى جانب كبير من الأهمية مثل التطورات التكنولوجية المصرفية والمالية ودورها في مستقبل دور البنوك، كذلك دور المؤسسات المالية في برامج الإصلاح الاقتصادي والفرص الاستثمارية التي توفرها، ودور التكنولوجية المالية في تحقيق الشمول المالي وتأسيس وكالات تصنيف عربية.

كما شهد المنتدى مناقشات موسعة وجادة حول عدد من القضايا مثل تأسيس أنظمة مقاصة وتسويات إقليمية وعربية والإصلاحات المصرفية المطلوبة والتعاون المصرفي العربي وغيرها.

وفي الجلسة التي شاركت فيها والتي تناولت تأسيس وكالة تصنيف عربية لتقييم مناخ الاستثمار في المنطقة العربية، تأخذ بالاعتبار الظروف الخاصة بالدول العربية، وخصوصية تجاربها التنموية، فقد كنت من أوائل الداعين إلى تأسيس وكالات تصنيف عربية تكون لها مكانتها العالمية المعترف بها، وقد كتبت عدة مرات في هذا الموضوع، ووجهت العديد من الرسائل للمعنيين؛ حيث لا أرى أي مشكلة في تأسيس مثل هذه الوكالة، مع إيماني بتوفر الكوادر العربية المتخصصة وعالية المستوى التي يمكن أن تقوم بالتقييم والتصنيف الموثوق المعتمد بعيداً عن الأهواء والمصالح الدولية التي وجدناها لدى بعض وكالات التصنيف الدولية المعروفة، والتي جاءت الأزمات المالية المتتالية، وآخرها ما تشهده بعض البنوك الأمريكية في الوقت الحاضر، لتكشف عن عدم دقة التصنيفات التي تصدرها هذه الوكالات.

وباختصار، تصنف وكالات التصنيف الغربية البلدان باستخدام خمسة عوامل تصنيف أساسية وهي أولاً الفاعلية المؤسسية والحوكمية أي استقرار المؤسسات السياسية، والشفافية، والأمن الخارجي، الخ.

وثانياً الهيكل الاقتصادي وآفاق النمو أي نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ونموه، والتنوع الاقتصادي، وما إلى ذلك.

وثالثاً مجموع النقاط المتعلقة بالوضع الخارجي للبلد (السيولة الخارجية والموقف الخارجي بشكل عام).

ورابعاً الوضع المالي أي المرونة المالية وعبء وهيكل الديون.

وأخيراً الوضع النقدي أي دور السلطة النقدية والتنسيق المشترك للسياسة النقدية مع السياسة المالية.

لكن هذه المنهجية أظهرت إخفاقات في محطات كثيرة على مدى العقود الماضية كما ذكرنا. والسبب في ذلك هو لكونها تعمد إلى استخدام البنى الاجتماعية والاقتصادية الغربية كمعيار لإعطاء الدرجات العالية. فعلى سبيل المثال تعتبر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي مؤشراً أساسياً على المتانة الاقتصادية لدولة ما، بينما هذا المؤشر لا يعكس مستوى التنمية الاقتصادية والفوارق الكبيرة في توزيع الدخل.

أيضاً، تعتبر التصنيفات الغربية القدرة على إعادة التمويل لسداد الديون القائمة هي عامل أساسي في التصنيف بدلاً من التدفقات النقدية الجديدة. وهذه المنهجية تدعم بصورة رئيسية الدول الغربية باعتبار أن أكثر من 90% من مجموع الديون في العالم هي في البلدان المتقدمة و8% فقط في البلدان النامية.

وانطلاقاً مما سبق، نحن نعتقد بأنه آن الأوان لقيام الجهات المعنية في المنطقة العربية بالتحرك بصورة مشتركة لإيجاد بديل معترف به دولياً لتصنيفات ديونها السيادية تكون أكثر واقعية وإنصاف لما تتمتع به من أوضاع مالية قوية. وباعتقادي عليها أن تعمل إما على تقوية دور واعتمادية الوكالة الإسلامية الدولية للتصنيف التي تتخذ من البحرين مقراً لها، خصوصاً أن هذه الوكالة باتت تمتلك قدرات وإمكانيات فنية كبيرة وهي تقوم حالياً بالفعل بإصدار التصنيفات الائتمانية للحكومات والشركات. أو أن تقوم بتأسيس شركات تصنيف مشتركة تكون أكثر تخصصاً في شؤون دول المنطقة وتعتمد منهجيات للتصنيف تأخذ بالاعتبار الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية الخاصة بهذه الدول ولا تعمم منهجياتها الغربية عليها.

إن نجاح مثل هذه الخطوات، يعتمد على شرطين رئيسيين.

الشرط الأول هو أن تتبنى الحكومات والبنوك المركزية العربية هذه المؤسسات وتعطيها حق التصنيف والاعتراف بتصنيفاتها الائتمانية لكي تعطي مصداقية واعتمادية للتصنيفات التي تصدرها. والشرط الثاني هو أن تقدم هذه الحكومات والبنوك الدعم لهذه المؤسسات وترعاها خاصة في السنوات الأولى من تأسيسها. ولا ننسى أن مؤسسات التصنيف العالمية مثل ستاندرد أن بورز مضى على تأسيسها أكثر من 160 عاماً وهي حالياً موجودة في 26 بلداً وتصدر مئات الآلاف من التصنيفات الائتمانية بقيمة إجمالية تعادل 47 تريليون دولار.

لذلك، ونحن ندعو إلى تأسيس مؤسسات تصنيف بديلة تعتمد منهجيات في التصنيف تأخذ بالاعتبار الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية الخاصة بالمنطقة العربية، فإننا لا ننفي الحاجة لأن تكون هذه المؤسسات قوية وتتمتع بكل القدرات والإمكانيات الكبيرة التي تمتلكها مؤسسات التصنيف العالمية وأن تحقق ذلك بشكل تدريجي.

* رئيس جمعية مصارف البحرين، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdd7atnf

عن الكاتب

رئيس جمعية مصارف البحرين، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"