عادي

حج التطوع أم حقوق الفقراء؟

21:57 مساء
قراءة 5 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني

في مثل هذا الوقت من كل عام، تتعدد فتاوى العلماء التي تؤكد أن الإنفاق على الفقراء والوفاء بحقوقهم، والسعي إلى رفع المعاناة عنهم أولى من حج التطوع. والمسوغ الشرعي لهذه الفتاوى المتكررة هو أن الحج مطلوب من المسلم مرة واحدة في العمر، وأنه مادامت الفريضة سقطت عن الإنسان، فالأولى له أن يوجه نفقات حجه التطوعي إلى فقراء المسلمين، فهم أحق بالأموال الطائلة التي تنفق على عبادة تطوعية.

هذه الفتاوى لا تمنع تطلع كثير من القادرين مادياً إلى تكرار الحج والعمرة، والتشرف برؤية الكعبة والطواف حولها، وزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصلاة فيه، وإلقاء السلام على رسول الإنسانية وصحابته الكرام، عليهم رضوان الله.

لذلك، رجعنا إلى عدد من كبار العلماء للتعرف إلى فقه الأولويات في هذه المسألة.

الصورة

يؤكد د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ومفتي مصر السابق، أن الحج مطلوب من المسلم المستطيع مرة واحدة في العمر، عملاً بقول الحق سبحانه: «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا»، ولذلك، فإن تكرار هذه الرحلة المباركة هو من باب التطوع مثل صلاة النافلة. ويقول: الله، سبحانه وتعالى، يكافئ المسلم على كل عمل يتقرب به إليه مادام صادقاً في نيته، لكن هناك أولويات يأتي في مقدمتها الآن تلبية حاجات الفقراء وغيرهم من المحتاجين مثل الغارمين والغارمات، والمرضى الفقراء، وطلاب العلم الفقراء الذين لا يجدون ما ينفقونه على استكمال تعليمهم، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها معظم المسلمين في العالم.

لذلك، يدعو مفتي مصر السابق القادرين مادياً الذين يحرصون على السفر سنوياً، أو على فترات متقاربة لأداء مناسك الحج والعمرة ، أن يقدموا نفقات سفرهم للفقراء وأصحاب الحاجات، وإن كانوا يشتاقون لهذه الرحلة المباركة، فليكن ذلك على فترات متباعدة، وسوف يجزل الله لهم العطاء على إيثار الفقراء وأصحاب الحاجات على أنفسهم.

ويرى جمعة أن تلبية حاجات الفقراء تتقدم أداء العبادات التطوعية التي يثاب عليها الإنسان ولا يعاقب على تركها، ويقول: ينبغي ألا يتردد المسلم القادر الذي سبق له أداء فريضة الحج، في توجيه نفقات حجه التطوعي إلى مساعدة الفقراء والمحتاجين، فهذا أفضل وأكثر ثواباً عند الله، ومجتمعاتنا العربية والإسلامية تعج بالفقراء والمرضى وأصحاب الحاجات، وهذا أمر لا يجوز للإنسان أن يتجاهله، والمسلم ليعيش سعيداً في مجتمعه عليه حقوق للفقراء والمحتاجين فيه، وعليه أن يشعرهم أيضاً بقدر من السعادة والرضا حتى يمحو ما في نفوسهم من حسد أو حقد.

ويطالب مفتى مصر السابق بنشر ثقافة التكافل الاجتماعي والإنساني بين المسلمين جميعاً، خاصة الأجيال الجديدة. ويقول: واجب علماء ودعاة الإسلام أن يوضحوا للناس أن ما ينفقونه على الفقراء والمحتاجين ليس تفضلاً، وإنما هو حقوق قررها الإسلام لتحقيق التكافل الاجتماعي ويجب الوفاء بها، والله يقول في ذلك: «وفي أموالهم حق للسائل والمحروم»، ويأمر الله نبيه أن يأخذ الصدقات من الأغنياء تطهيراً لنفوسهم من الشح والبخل، وتزكية لأموالهم فيقول: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها».

تكرار وإهمال

د. محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، يؤكد أن فريضة الحج مرة واحدة، وما زاد على ذلك فهو من باب النافلة أو التطوع. لذلك، يطالب دعاة الإسلام في كل مكان بنشر الوعى الديني بأهمية مساعدة الفقراء وأصحاب الحاجات أكثر من حرصهم على النوافل، ومنها حج التطوع. ويقول: التبرع بنفقات حج التطوع أعظم أجراً عند الله وأكثر نفعاً للفقراء، خاصة أن المسلم هنا ينفق ماله ويبذل جهده في تكرار مناسك فريضة سقطت عنه بمجرد أدائها للمرة الأولى، وهذا ما ينبغي أن يدركه المسلمون الذين أدمنوا السفر لتكرار الحج والعمرة، وبعضهم، للأسف، يهمل فريضة الزكاة ولا يؤديها كما أمره الله ورسوله، وهذا خلل في الفهم والتفكير يجب أن يدركه كل مسلم.

ويشدد وزير الأوقاف المصري على أن فقه الأولويات في شريعتنا الإسلامية يؤكد أن قضاء حوائج الناس أولى من حج النافلة، خاصة إذا كان في الأمة أو الوطن فقير لا يكاد يجد قوت يومه إلا بمشقة شديدة، أو مريض لا يكاد يجد ما يتداوى به إلا بشق الأنفس، أو شاب لا يجد ما يعف به نفسه، كما أن بعض الفقراء في بعض المناطق لا يجدون الخدمات الأساسية بما يحفظ لهم كرامتهم، ويوفر لهم سبل الحياة الكريمة، ولا بأس أن توجه نفقات حج التطوع إلى حل مشكلات هؤلاء، فكل ذلك مقدم على حج النافلة وعمرة النافلة.

ويقول: ديننا يحترم الأولويات التي يترتب عليها قضاء مصالح المسلمين، والحكمة والفقه يقتضيان أن يترك من أدى الفريضة الفرصة لغيره ممن لم يؤدها مع ما نلمسه من أثر الزحام الشديد في الحج على راحة الحجاج وسلامتهم، وقواعد الشريعة تؤكد أن درء المفسدة المتوقعة من كثرة الزحام مقدم على جلب المنفعة المترتبة على النوافل، والعمل المتعدد النافع مقدم على العمل القاصر النفع.

أجر جزيل

د. محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة، يؤكد أن المسلم القادر مادياً الذي يؤدي ما عليه من واجبات إنسانية واجتماعية، لا يجوز صده عن السفر لأداء مناسك الحج والعمرة تطوعاً وتقرباً إلى الله، فهذه العبادة لها أجرها الجزيل، والذين يكررون الحج والعمرة ابتغاء وجه الله نحيي فيهم الحرص على العبادات والطاعات.

ورغم ذلك، لا يجيز غنايم الحرص على أداء عبادة تطوعية وإهمال فريضة مثل الزكاة، أو عمل خيري إنساني لا يقل أجره وثوابه عن تكرار الحج والعمرة مثل الصدقات التطوعية. ويقول: لذلك، نحث المسلمين دائماً على عمل الخير، لأن تخفيف آلام مريض فقير، أو مساعدة أسرة فقيرة على تزويج ابنتها أهم من السفر لأداء عبادة تطوعية.

ويقول: الدعوة إلى ترشيد حج التطوع، والنصيحة بعدم تكرار العمرة كل عام لا ينبغي أن يظهرا على شكل التضييق على المسلمين القادرين، فالله تعالى يقول: «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا»، ومعنى الآية الكريمة أن الله تعالى جعل البيت الحرام مثابة للناس يعودون إليه شوقاً بعد الذهاب عنه، ولو زاروه كل عام، استجابة من الله تعالى لدعاء إبراهيم عليه السلام في قوله: «فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ» إلى أن قال: «رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ»، فهناك تطمئن الأفئدة، وترتاح النفوس، وتزول الهموم، وتتنزل الرحمات، وتغفر الزلات.

ويحث أستاذ الشريعة الإسلامية كل مسلم قادر على توجيه فائض ماله لأعمال الخير، سواء نوى حج التطوع أم لا، ويؤكد أن حاجات الفقراء في عالمنا العربي تتضاعف في ظل تفاقم مشكلات الفقر والبطالة. ويقول: لو تكفل المسلم القادر بأداء ما عليه من واجبات دينية وإنسانية تجاه الفقراء لا ينبغي أن نطالبه بعدم السفر لأداء عبادة يجد فيها راحته النفسية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9db8w3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"