أهمية انضمام السويد إلى «الناتو»

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناصر زيدان

تجهد الماكينة الدبلوماسية لحلف دول شمالي الأطلسي «الناتو» بقوة لاستكمال قبول عضوية السويد في الحلف، بعد أن نجحت في ضمّ فنلندا في إبريل/ نيسان الماضي. والسويد التي قدمت طلب العضوية بُعيد اندلاع الحرب في أوكرانيا؛ تتصرف كأنها عضوة فعلية فيه، وهي شاركت في المناورات الأخيرة التي أجرتها قوات الناتو انطلاقاً من ألمانيا، كما سمحت لقوات من الحلف معززة بمعدات عسكرية حساسة بالتواجد على أراضيها، وفق ما صرح به رئيس الوزراء أولف كريسترشون.

 في القمة المرتقبة للحلف في منتصف تموز/يوليو في ليتوانيا؛ سيكون موضع قبول عضوية السويد رئيسياً، وستبذل القوى الفاعلة فيه جهوداً لضمان قبول تركيا بهذا الانضمام، لأنها الوحيدة التي ما زالت تعارضه، ومعاهدة إنشاء الحلف تشترط موافقة كامل الدول الأعضاء على الانتسابات الجديدة. وسبق لفنلندا أن خاضت التجربة الصعبة ذاتها مع تركيا، وتمكنت من تجاوزها، بعد إبرام مجموعة من التفاهمات مع أنقرة، لا سيما منها التضييق على نشاط المنظمات الكردية المعارضة التي تنشط على أراضيها.

 الرئيس الأمريكي جو بايدن دعا تركيا إلى عدم الاعتراض على قبول عضوية السويد في الناتو، وهو وعدها بالموافقة المبدئية على تسليمها طائرات«إف- 16» المقاتلة المتطورة، بينما تحاول السويد تدوير الزوايا مع أنقره، لناحية وعدها بتقييد حراك مجموعات حزب العمال الكردستاني على أراضيها، كما أنها لن تعارض إعلامياً الإجراءات الأمنية التي تقوم بها تركيا في المناطق التي يتواجد فيها الأكراد، لاسيما في شمال العراق وفي شمال شرق سوريا.

 ما هي أهمية انضمام السويد إلى حلف الناتو؟

 للسويد موقع استراتيجي في شمال أوروبا، وهي تحيط ببحر البلطيق من الناحيتين الشمالية والغربية، وهذا البحر يعتبر ممراً رئيسياً للصادرات الروسية إلى الأسواق الخارجية، لاسيما النفطية منها، وعبره يمرّ خطّا «نورد – ستريم 1» و«نورد - ستريم 2» اللذان تمَّ تفجيرهما في سبتمبر/أيلول 2022، لأنهما ينقلان الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا بأسعار تنافسية، كما أن 80 في المئة من خطوط الأنترنت التي تُوصل روسيا بالعالم تمرُّ عبر بحر البلطيق، وحصار روسيا عسكرياً من خلال هذا البحر إذا ما شاء الناتو، لا يكتمل إلا بعد انضمام السويد إلى الحلف، كونها أكبر دولة مشاطئة له، وهي تسيطر مع الدنمارك على مضيق أوريسند الاستراتيجي الذي يصل بحر البلطيق بالعالم الخارجي.

 وللسويد مكانة متقدمة في مجال تصنيع الأسلحة الخفيفة، خصوصاً الذكية منها، ولحلف الناتو مصلحة في الاستفادة من هذه الأسلحة لزيادة حجم ترسانته في الحروب التقليدية، وهذه الحروب مرشحة أكثر من غيرها للاستمرار.

وبانضمام السويد إلى حلف الناتو تكتمل حلقة الطوق الذي فرضه الحلف على روسيا، بعد أن تمَّ تصنيفها كعدو يهدد أمن أوروبا. وقد سبق ذلك قبول عضوية كل دول أوروبا الشرقية تقريباً، بما فيها فنلندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا، حيث تتداخل أراضيهم مع الأراضي الروسية من جهة الشرق والشمال، بينما التهديد بقبول عضوية أوكرانيا إلى الحلف مازال قائماً، رغم الحرب الدائرة فيها مع روسيا، لكن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى تعارض قبول طلب كييف في الوقت الحاضر، لأنه سيؤجج الصراع إلى درجة متقدمة، وقد تتفلَّت معه الأوضاع من أي ضوابط، لأن موسكو تعتبر انضمام أوكرانيا إلى حلف شمالي الأطلسي تهديداً مباشراً لأمنها القومي.

 أما الأهداف السويدية التي تقف خلف تقدمها بطلب العضوية لحلف الناتو بعد حياد مارسته طوال فترة تاريخها المعاصر؛ فقد فرضته موازين القوى في أوروبا، لاسيما بعد أن أصبحت الدول التي تحيط بها بالكامل عضوة بالحلف من جهة، ولأنها تخاف من الطموحات العسكرية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولأن اقليم (جيب) كالينينغراد الروسي المواجه لأراضيها؛ أصبح قاعدة عسكرية روسية، ومقراً لقيادة أسطول البلطيق الروسي، بعد أن كان الإقليم منطقة تجارية مفتوحة إبان الحرب الباردة.

 يمكن للناتو من خلال ضمّ السويد أن يفرض حصاراً بحرياً على روسيا، وهو بذلك يستكمل حلقات التعاون التي أقامها مع شركائه في أقصى الشرق – لاسيما مع اليابان وكوريا الجنوبية – وهو ما سيقوِّض قدرات روسيا البحرية إلى الحدود الدنيا، نظراً لتجمَّد المياه التي تحيط بها من الشمال، وبالتالي تعود إلى قوة برية كبيرة من دون أن يكون لها تأثير وازن في البحور والمحيطات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/54zmw67b

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"