توسيع مروحة التعاون العربي مع الشرق

00:06 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. ناصر زيدان

شكلت فعاليات منتدى التعاون العربي – الصيني الذي انعقد في بكين في 30 مايو/ أيار، محطة مهمة لتعزيز الصداقة بين الطرفين اللذين أسّسا المنتدى في عام 2004، وقد تأكدت أهمية الاجتماعات في هذا التوقيت بالذات من عوامل عدّة، لعلّ أهمها مستوى المشاركة العربية الرفيعة، من خلال حضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والرئيس التونسي قيس سعيّد، وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وعدد آخر من الشخصيات العربية رفيعة المستوى، ويأتي اللقاء وسط توترات، دولية وإقليمية، في أكثر من منطقة من العالم.

وقد توقف صاحب السمو، رئيس الدولة، والرئيس الصيني، والرئيس المصري، جلياً، أمام ويلات الحرب التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين، خصوصاً في قطاع غزة، وكان التقارب في وجهات النظر واضحاً في الخطابات التي ألقيت في افتتاح المنتدى، خصوصاً في المطالبة بضرورة تحقيق وقف فوري لإطلاق النار وفق طلب محكمة العدل الدولية، وبموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2728، والشروع في إجراء مباحثات تفضي إلى تحقيق سلام دائم وشامل في المنطقة، يؤمّن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بما في ذلك إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

التوجهات العربية واضحة لناحية تعزيز العلاقة مع دول شرق آسيا، وفي مقدمتها الصين، نظراً لمكانة هذه الدول على المستوى العالمي، ولتأثيرها الكبير في الحركة الاقتصادية الدولية، لاسيما في التبادلات التجارية، والابتكارات الصناعية المتطورة في مختلف المجالات. والإرادة العربية تقدر عالياً تأييد الصين ودول شرق آسيا للقضايا التي تهمّ العرب، خصوصاً المسألة الفلسطينية، وفي مساهمة هذه الدول في توفير الاستقرار في العالم.

وكان لصاحب السمو، رئيس الدولة، دور فاعل في الوصول إلى الغاية المرجوة في تعزيز التعاون مع الشرق الآسيوي، لأن الإمارات كانت قد أعلنت عن رغبتها في توسيع مروحة التعاون مع الدول المؤثرة في العالم، وتنويع المصادر التي تعتمد عليها في تحقيق رافعة تجارية، وصناعية، وثقافية، وتكنولوجية متقدمة، وكي لا يكون التعاون مقتصراً على جهة دولية واحدة، بينما الإمارات تكنّ الاحترام للجميع، ولديها الرغبة في تعزيز الصداقة مع أوسع شريحة ممكنة من الشعوب. وكوريا الجنوبية والصين تحتلان مكانة في صدارة الدول التي تسعى لتطوير التقنيات الحديثة في قطاعَي المواصلات والاتصالات، وفي مجال الذكاء الأصطناعي، وفي التقنيات النووية السلمية، وعلى اعتبار أن الإمارات تحتل مركز الصدارة كأكبر شريك تجاري عربي للصين، حيث تجاوزت تبادلاتها التجارية مع بكين 284 مليار درهم عام 2022، كما وصل حجم التعاون إلى مستويات مرتفعة، بحيث وظّفت الصين 12 مليار دولار كاستثمارات في الاقتصاد الاماراتي غير النفطي، وأسست 171 مدرسة لتعلم اللغة الصينية، وسجلت الشركات الصينية ما يقارب 6600 علامة تجارية في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وما يبيّن التأثير الإماراتي الواضح في مسار تعزيز العلاقات بين الجهات العربية المختلفة، وبين الدول الآسيوية الشرقية الواعدة؛ هو حجم الاتفاقيات والتفاهمات التي وقعتها الإمارات في سيؤول، وفي بكين، وشملت مجالات مختلفة في غاية الأهمية، منها تطوير التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، وفي مرافق السياحة، والتعليم، والتكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والاتصالات، وفي قطاعات البنى التحتية وحصانة الملكية الفكرية، وتخزين الكوربون، وتحسين الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتطوير الصيد البحري. والبارز أيضاً في هذه الاتفاقيات؛ التزام كوريا الجنوبية ببناء 10 سفن عملاقة لنقل الغاز الطبيعي المُسال، لمصلحة الإمارات، بكلفة 9,4 مليار درهم، وهذه السفن تدفع بمكانة الشركات الإماراتية إلى الأمام في سياق تجارة الغاز الطبيعي، وتعزّز وجودها المباشر في الأسواق العالمية، خصوصاً في إفريقيا، حيث تجهد الصين وكوريا الجنوبية إلى تعزيز حضورهما في القارة.

يمكن اعتبار تطوير التعاون العربي – الصيني، ومع دول شرق وجنوب آسيا، في هذه اللحظة السياسية المهمة؛ علامة فارقة واضحة، وله تأثير في سياق التعاون الدولي الشامل، ذلك أن المقاربات التي تعتمدها بعض الدول الكبرى لناحية فرض شكل من أشكال الحصرية في التعاملات التجارية، والمالية، والنفطية، وفي مجال التقنيات الحديثة؛ لا يمكن لها أن تعيش في ظل الأجواء الدولية الحالية التي تغلب عليها سِمة عدم الاستقرار. كما أن المشاريع المشتركة العملاقة التي تمّ الاتفاق عليها بين عدد كبير من الدول العربية والدول الكبرى الأخرى، خصوصاً الممر الذي يوصل بين الهند وأوروبا عبر بحر العرب وموانئ الإمارات والبحر الأبيض المتوسط وكذلك «طريق التنمية» الذي يوصل دول آسيا بأوروبا عبر دول الخليج العربي والعراق وتركيا؛ لا يمكن اعتبارها مشاريع إنمائية موجهة ضد مشروع «الحزام والطريق» الذي أطلقته الصين في عام 2013، وتمّ التفاهم على تفعيله في بكين خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، هذه المرة أيضاً.

توسيع مروحة التعاون العربي مع الشرق، فلسفة سياسية إيجابية جديدة، تهدف إلى تنويع مصادر المنفعة المشتركة، وليس موجهة ضد أحد، وهو يؤكد أهمية وجود البدائل أمام كل الانسدادات التي قد تواجه الدول في مختلف المجالات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/53trw8fs

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"