عرفة وأضحى

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

بعد أيام، يقف المسلمون على عرفة، في محاكاة لقصة سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل، تلك التضحية العظمى في التاريخ، تضحية الأب الذي لبّى نداء الله، ولم يتردد، وقصة الابن الذي لم يتردد في أن يحقق حلم أبيه بطاعة الله، وبعد، تعلو التكبيرات في يوم عظيم، يوم عرفة، على جبل عرفة، من كتب له أن يكون في مكة ومن نوى الصيام والدعاء وقلبه معلق برحمة الله، الكل متعلق بتلك الرحمة التي لا ندخل الجنة دونها، فاللهم بلغنا يوم عرفة، واجعل سعينا ليومك الكريم مقبولاً، ويسر على حجاج بيتك إقبالهم وتذللهم.
وبعد أيام، يأتي عيد أضحى مبارك، مع موسم الإجازات الذي أطل، وسافر الكثيرون ليكونوا مع أهلهم، والبعض هرب من حر الصيف وشمسها الحارقة، ولكن الكل سيستقبل العيد في مكانه ويسعد، مع من يحب ويقبل عليه. في هذه الأيام المباركة، وفي شتى بقاع الأرض تتوحد القلوب والنفوس، ودعائي أن تتوحد في الخير والإغاثة، وطُهر القلب والنية، أن تتوحد في الحب؛ حب الأخ والأخت، حب البعيد والقريب، لربما تكون صفة التسامح أصعبها، وأن نسامح من آذانا، لكن لنحاول، لنسمح لأنفسنا بالتحرر والانتشاء بسماء الحياة. في هذا الشهر ومنذ بدايته أخبار الوفيات تهل علينا، وتصدمنا ولا ندري أندرك العيد أم لا، لكنها إشارات بأن نعيش الحياة بكل لحظاتها ودقائقها، وألا نبتعد عن حقيقتنا. أن نكون فقط في دعائنا في معية الله، وطلبنا ألا نكون إلا في هذه الدنيا مَن يدخل الفرح والسرور على مَن حولنا، وألا نصبح في يوم مدخل حزن أو بكاء أحدهم.
وبعد العيد، ستعود الحياة، وسيعود القلب الموجوع ليبرأ، ويسعدنا الفرح. لنتذكر، لا وقت معروفاً لنا على هذه الأرض، لكننا نعرف أننا أهدينا أياماً جميلة وساعات ثمينة وقلوباً أمينة، وأرواحاً أبية، ونفوساً راقية، وحياة كريمة، ووجوداً حفظت فيه كرامتنا، واستقر أمننا وأماننا، في كل جولة ورحلة سنذهب ونعود، وتعود كل التفاصيل المبهجة، ونعود بيد من أطلقنا معه همومنا وأثقالنا، ونطل في الوجوه التي حولنا، ونخبر بعضنا قصص الحب والوفاء والابتهاج.
سنعود وتعود إشراقة القلوب المتعبة متوهجة، منتشية مبهجة الصغير والكبير، ونستقبل النجوم في السماء، وتبرق في ليالينا ألقاً وحباً وانتشاء، وتطير الطيور في زقزقة وهمسة، معلنة أن الصبح قد تنفس وأن الليل قد انقشع، وحولي وحولك نِعمٌ لو نحصيها ما انتهينا، لنعش هذه الأيام ونفرح ونبتهج، فالعيد على الأبواب، ودعوة سلامة إلى كل المسافرين، وأكبر دعوانا إلى حجاج البيت العتيق باليسر والقبول والراحة والاطمئنان، وأن يعودوا إلى أهلهم فرحين بما آتاهم الله من فضله، كلُّ عرفة وأنتم بخير، وأضحى مبارك من رب كريم.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2r72ch95

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"