مجلس الأمن وإشكالات التدخل الإنساني

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

يحتلّ مجلس الأمن مكانة بارزة ضمن الأجهزة الرئيسية للأمم المتحدة، ذلك أن المادة 39 من الميثاق خوّلت له سلطات واسعة للقيام بمهامه، فهو الذي يحظى بسلطة الإقرار بالحالات المهددة أو المخلة بالسلم والأمن الدوليين، أو بوقوع حالات العدوان، كما يحتكر سلطة استعمال الوسائل الزجرية لمواجهة القائمين بهذه الأعمال، سواء في شقها المتعلق باستعمال القوة العسكرية أو بإعمال الضغوط الاقتصادية والسياسية الأخرى، فيما تتميز قراراته بقيمتها القانونية وقوة نفاذها.

 لم تسمح ظروف الحرب الباردة بتحرك المجلس في إطار مسؤولياته المتصلة بحفظ السلم والأمن الدوليين، بفعل انتقال صراع القطبين الأمريكي والسوفييتي (سابقاً) إلى داخل الأمم المتحدة نفسها. وإذا كانت الظرفية الدولية التي تمخضت عن نهاية الصراع الإيديولوجي، وما تلاها من انفراد الولايات المتحدة بالساحة الدولية، قد سمحت بتفعيل هذا الجهاز بعد زهاء نصف قرن من الجمود، فإن تعامل المجلس مع العديد الأزمات والقضايا الدولية، أثبت وجود انحرافات على مستوى إعمال عدد من التدخلات بذرائع مختلفة من بينها حماية حقوق الإنسان.

 ينصّ ميثاق الأمم المتحدة في الفقرة السابعة من المادة الثانية منه صراحة على عدم جواز التدخل في الشؤون التي تعد من صميم السلطان الداخلي للدول، ونظراً لأهمية وخطورة هذا المبدأ، فقد تم تضمينه في مواثيق المنظمات الدولية والإقليمية ورسخته محكمة العدل الدولية في عدد من قراراتها (قضية «كورفو» لعام 1949 وقضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في «نيكاراغوا» عام لعام 1986).

 ويرتبط التدخل الإنساني بالتعرض لسيادة الدولة عبر وسائل زجرية تتنوع بين ما هو سياسي واقتصادي وعسكري، بذريعة وضع حدّ لانتهاكات خطرة تطال حقوق الإنسان.. وقد يتخذ هذا التدخل أيضاً شكل تقديم مساعدات مختلفة دون اتفاق مسبق مع الدولة المعنية، أو إصدار مواقف وتصريحات وتقارير معادية وتحريضية بنفس المبررات.

 وينقسم التدخل الإنساني عادة إلى تدخل «إنساني» انفرادي تقوم به دولة معينة داخل دولة ثانية لحماية رعاياها، مثلما قامت به الولايات المتحدة في بنما عام 1989، وإلى تدخل «إنساني» جماعي، يندرج ضمن قرارات صادرة عن مجلس الأمن كالقرار رقم 688 لعام 1991 القاضي بحماية أكراد العراق، والقرار رقم 794 لعام 1993 القاضي بالتدخل لوقف المآسي الإنسانية بالصومال في أعقاب انهيار الدولة.

 وإذا كان مبدأ عدم التدخل قد استخدم للتغطية عن عدد من الجرائم التي ارتكبتها بعض النظم في حق شعوبها، فإن تزايد الاهتمام الدولي بقضايا حقوق الإنسان، واستئثار الفرد بمكانة متميّزة ضمن اهتمامات القانون الدولي، سمح ببروز مفاهيم واصطلاحات تتعلق ب«واجب التدخل» و«ضرورة التدخل» بل وحتى «حقّ التدخل».. 

 ومع ذلك، فما زال هناك تضارب واضح بين الفقهاء والباحثين فيما يتعلق بشرعية التدخّل «الإنساني»، بين رافض ومتحفظ، أو مقر بشرعية هذه التدخلات، وبخاصة عندما تتم بناء على اتفاقات مسبقة، أو في حال انهيار مؤسسات الدولة، أو عندما يتعلّق الأمر بارتكاب جرائم خطرة ضد الإنسانية من قبل نظم مستبدة.

 ومن جانب آخر، تؤكد الوقائع أن الكثير من التدخلات التي باشرها المجلس في هذا الخصوص لا تخلو من انتقائية، ما يجعلها تنطوي على حسابات سياسية تخدم مصالح الدول الكبرى الدائمة العضوية بالمجلس، كالولايات المتحدة، وهو ما تجسدها التدخلات التي تمت في العراق والصومال والسودان بهذه الذريعة، وعدم القيام بنفس التدابير والخطوات في مواجهة خروقات تمت في عدد من الدول الكبرى، مثلما هو الأمر بالنسبة لانتهاكات الحرب في الشيشان، أو عند احتلال القوات الأمريكية للعراق، أو بصدد الجرائم الإسرائيلية المرتكبة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة.

فيما تبيّن أن هذه التدخلات كثيراً ما تعمق المعاناة الإنسانية ولا تفي بالأهداف التي جاءت من أجلها، وذلك في غياب رؤية استراتيجية تدعمها، وإرادة حقيقية للدول الكبرى المتحكمة في المجلس، وهو ما يتطلب بذل جهود حثيثة لعقلنة هذه التدخلات وإعطائها طابعاً من الشرعية والمشروعية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr3ct9rx

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"