عن تمرد «فاغنر»

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

لا يمكن الاستهانة بالتمرد العسكري الذي أعلنه قائد مجموعة «فاغنر» ضد الجيش الروسي، رغم أنه وقواته ليسوا جزءاً من الجيش النظامي، وإنما «شركة أمن خاصة». إلا أن استعانة القيادة الروسية بمقاتلي «فاغنر» في الحرب بأوكرانيا جعلت المجموعة تبدو أكثر من «متعاقد أمني»، على غرار ما يفعله الجيش الأمريكي في عملياته باستخدام شركات أمن خاصة للقيام بمهمات لا يقوم بها جنوده، كما كان يحدث في أفغانستان والعراق.

 ولطالما اتهم الغرب مجموعة «فاغنر» بأنها تقوم بمهام تخدم المصالح الاستراتيجية الروسية في الخارج، حتى بتعاقداتها مع حكومات دول في إفريقيا، وغيرها. ويركز الإعلام والتصريحات الغربية على العلاقة بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بقائد «فاغنر»، يفجيني بريغوجين. وكانت كل التعليقات الغربية ترى أن استدعاء الكرملين لقوات «فاغنر» للمحاربة مع الجيش الروسي في أوكرانيا يعود إلى تلك العلاقة بين بريغوجين وبوتين.

 لكن منذ بدأت تلك المشاركة والعلاقة بين الجيش الروسي وقوات «فاغنر» ليست على ما يرام، وتكررت اتهامات بريغوجين للجيش الروسي بالفشل، وعدم الكفاءة، مقابل التصريحات التي تنقلها الصحافة الغربية عن الإنجازات العسكرية لمرتزقة «فاغنر».

 ويبدو أنه مع بدء الهجوم الأوكراني المضاد وجد قائد «فاغنر» الفرصة سانحة لتحقيق طموحات لم يخفها طوال مشاركته في حرب أوكرانيا، حدها الأدنى أنه يرى نفسه مكان وزير الدفاع الروسي، شويغو، ويعتبر قاعدته من المقاتلين أكثر كفاءة، وأقدر على أن تتولى قيادة العسكرية الروسية. وفي أحدث صدام علني بدا أن الرئيس بوتين غير موافق على هذه الطموحات، وأنه يحافظ على وزير دفاعه، ومستمر في تركيبة الكرملين كما هي.

  لا شك في أن بريغوجين كان يخطط لما يقوم به من تمرد ومحاولة انقلاب منذ فترة، وبغضّ النظر عن أي اتهامات بأنه ربما فتح قنوات تواصل مع الأمريكيين والغرب لدعم محاولته الانقلابية، فإن جذر المشكلة عند الرئيس بوتين والكرملين. وسواء كان صحيحاً أن الكرملين لعب دوراً في إنشاء «فاغنر»، أو تقويتها، فإن أفضل ما ينطبق على الوضع هنا هو المثل الشائع بأن «من يقوم بتحضير العفريت عليه أن يصرفه». وفي الأساطير الشعبية أن صرف العفريت لا يكون سهلاً، وأحياناً ينتهي بأضرار كارثية على من حضر العفريت في البداية. خاصة أن التجارب أثبتت أن الخلط ما بين الجيوش النظامية والقوات التابعة لمجموعات من القطاع الخاص لا تكون نتائجه مرضية. فالفارق شاسع بين جيش نظامي يقوم على عقيدة حماية الوطن وتنفيذ السياسات التي تضمن أمنه القومي وسلامة أراضيه، وبين قوات غير نظامية تنفذ مهاماً محددة من أجل المال، والمال فقط، من دون عقيدة قتالية، أو التزام وطني.

 وحتى لو تم دمج تلك المجموعات في قوات نظامية فالتجربة لم تنجح، كما في السودان، وانتهت بصراع مسلح يكاد يقضي على مستقبل البلاد. ربما لا تكون روسيا مثل السودان، وبالتأكيد مجموعة «فاغنر» ليست مثل قوات الدعم السريع، لكن النتائج في النهاية هي الإضرار بالبلاد ككل، بغضّ النظر عن نتائج الصراع المسلح.

 المهم أن أزمة «فاغنر» انتهت بسلام في إطار صفقة رتبها الرئيس البيلاروسي لوكاشينكو، حيث ستؤوي بلاده قائد «فاغنر» بعد إسقاط تهمة الخيانة التي وجهت إليه، أما مسلحية فقد فتحت موسكو الباب أمامهم للتعاقد مع وزارة الدفاع.

 هذه التسوية أسقطت من يد الغرب الأهداف التي كان ينتظرها من التمرد، بأن يدخل الجيش الروسي ومجموعة «فاغنر» في اقتتال دموي يدخل روسيا في معمعة الصراعات الداخلية التي تصب في مجرى الحرب الروسية الأوكرانية، لمصلحة كييف وحلف الأطلسي.

 المثير أن سلطات الأمن الروسية أعلنت هذا الأسبوع القبض على تاجر يحاول شراء مادة مشعة من السوق السوداء لمصلحة أوكرانيين. ومعروف أن تلك الاتهامات متكررة بأن أوكرانيا ربما تفجر قنبلة نووية «قذرة» لاتهام روسيا باستخدام السلاح النووي وتأليب العالم عليها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yrmsay6a

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"