الشباب بين فرص وتحدّيات التحوّل الرقمي

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.إدريس لكريني

فتحت التطورات الرقمية إمكانات وفرصاً كبيرة أمام الشباب الذين انجذبوا بشكل مكثف لتوظيف هذه التقنيات، واستثمارها في التواصل والتأثير والتعلّم وإثبات الذات.

 لا تخفى التطورات المذهلة التي طالت مختلف المجالات والميادين مع التكنولوجيا الرقمية، وتأثيراتها المتسارعة داخل المجتمعات، حيث أصبحت الكثير من الدول توظف هذه التقنيات في تعزيز جهود التنمية، وفي تدبير الكوارث والأزمات، وهو ما تأكد بشكل واضح خلال جائحة كورونا.

 وقد أتاحت هذه التقنيات أيضاً تعزيز حوكمة العمل الإداري وتطويره، وكذا تقريب الخدمات الإدارية من المواطن، ورقمنة الكثير من المعاملات. وتقدم التكنولوجيا الحديثة فرصاً حقيقية لتطوير منظومة التعليم منهجاً ومضموناً ومخرجات، وهو ما شجع على اللجوء إلى التعليم عن بعد، وهي العمليّة التي استفاد منها الملايين من الطلاب عبر توظيف برامج وتقنيات متطورة، بشكل يتجاوز المكان والزمان، ما مكّن من نقل المعارف والعلوم إلى مناطق نائية.

 كما يقدم التطور الرقمي فرصاً أمام الشباب لأجل تطوير المهارات والمواهب الإبداعية، بما يسمح لهم باقتحام سوق الشغل بكل ثقة. وتشير التقارير والمعطيات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي، أصبحت تربط بين ما يناهز نصف سكان العالم بالكامل، ما يعزز التواصل بين الشعوب، ويسهم في نشر المعارف والعلوم وتبادل الثقافات والمعلومات المختلفة.

 لقد أحدثت التطورات الرقمية تغيرات اقتصادية واجتماعية وثقافية، ما أثار مخاوف عدة من أن تتحول معها هذه الطفرة وما يتصل بها من ذكاء اصطناعي، إلى مخاطر مختلفة، في ارتباط ذلك بانتشار الجرائم الرقمية وتوظيف هذه التكنولوجيا في بث الأخبار الزائفة، ونشر الكراهية، وتكريس العنصرية والتطرف، وتجاوز القانون.

وهو ما دفع الكثير من الباحثين والمهتمين والفاعلين إلى الدعوة لضبط توظيف هذه التكنولوجيا، وتوجيهها بما يخدم المجتمع، ويسهم في تحقيق التنمية الإنسانية.

 أصبحت التطورات التكنولوجية المذهلة تفرض ضغطاً كبيراً على صناعة التشريع، ففي الوقت الذي يفترض فيه أن تكون القوانين اجتماعية تواكب التحولات المختلفة، وعلى قدر من الاستقرار، تطرح التطورات التكنولوجية واستخداماتها المختلفة الكثير من الإشكالات القانونية في علاقتها بمسألة الخصوصية والحريات والحقوق والقيم المجتمعية.

 يعتقد الكثير من المهتمين والحقوقيين أن محاولات ضبط أو تأطير استخدام التكنولوجيا، يمثّل تقييداً لحرية التعبير، ومسّاً بعدد من المعاهدات والقوانين ذات الصلة، وشكلاً من أشكال التضييق على الإبداع والاجتهاد الذي يرافق استخدام هذه التقنيات. بينما يرى آخرون أن وضع تشريعات وضوابط تؤطر استخدام هذه التقنيات، لا يعني البتة مسّاً بالحريات والحقوق، بل يشكّل وسيلة لتخليق استخدامها، بما يحول دون ارتكاب الجرائم الرقمية، أو توظيفها بما يعارض حماية حقوق الإنسان، ويحدّ من مظاهر المسّ بحقوق الملكية الفكرية وتداول الإشاعات والإشادة بالعنف والإرهاب.

 لقد استطاع الكثير من الشباب أن يوظف التطورات الرقمية بصورة بناءة، رغم وجود بعض الانحرافات أحياناً، فمع اندلاع ما سمي «الربيع العربي» في عام 2011، كان لشبكات التواصل الاجتماعي أثر كبير في تحويل أنظار العالم إلى معاناة عدد من شعوب المنطقة، بعدما انتقلت من مجرد قنوات للتواصل إلى آليات للضغط والتأثير، وأصبح بإمكان كل شاب يحمل هاتفاً ذكياً متصلاً بشبكة الإنترنت، أن يكسر التعتيم الذي ظل يرافق عدداً من الاحتجاجات التي برزت في سياقات سابقة.

 كما نجح الكثير من الشباب في إحداث مقاولات ناجحة، وتمكّن آخرون من توظيف البرامج الرقمية في تعزيز كفاءاتهم وخبراتهم في عدد من المجالات كاكتساب اللغات الأجنبية، والتعلم عن بعد، وصناعة المحتويات الرقمية، واستثمار الذكاء الاصطناعي في إعطاء دفعة قوية لعدد من المهن كالهندسة، والطب، والسينما، والرسم والإعلام.

 إن استخدام الإمكانيات الرقمية، بما يعزز ثقافة حقوق الإنسان، وترسيخ الوعي داخل المجتمع، والابتكار في خلق مقاولات متطورة، وخلق فرص شغل واعدة، تساهم في تمكين الشباب، هو أمر لا يقتصر على التأطير القانوني فقط، بل يتطلب أيضاً سنّ سياسات عمومية توفر البيئة الحاضنة لتحول رقمي سلس يدعم مجتمع المعرفة، ويروم توفير البنى التحتية الملائمة التي تحدّ من الفجوات الرقمية المجالية، وإحداث مدن وفضاءات ذكية، وتيسير المعاملات الإدارية والتجارية والاقتصادية، وتأمين استعمال هذه التقنيات، بما يعزز الثقة في خدماتها. كما تتحمل الأسرة والمدرسة والإعلام وهيئات المجتمع المدني وغيرها من قنوات التنشئة الاجتماعية دوراً كبيراً في عقلنة استخدام هذه التقنيات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycym2tfe

عن الكاتب

​باحث أكاديمي من المغرب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"