الهجرة ومساعي الاحتواء

00:20 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

على الرغم من انشغال العالم بقضايا ساخنة وملتهبة كما في أوكرانيا وغيرها، فإن ملف الهجرة غير الشرعية تمكن من فرض نفسه على أجندة قمة دولية عقدت في روما، مؤخراً، سعياً إلى اعتماد مقاربات جديدة في التعاون بين الدول التي ينطلق منها المهاجرون والبلدان المضيفة؛ بهدف وقف ظاهرة قوارب الموت في البحر المتوسط، والاتجار بالبشر، والحد من وصول المهاجرين إلى القارة العجوز.

ليست محطة روما الأولى من نوعها في إطار الجهود الدولية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، لكنها قد تكون الأكثر جدية ووضوحاً في انتهاج مسار جديد للتعاون بين الدول، خصوصاً أنها حاولت تلمس جذور المشكلة الممتدة ما بين الدول الفقيرة والمصدرة للهجرة في القارة الإفريقية ودول العبور كما هي الحال بالنسبة لتونس وليبيا والدول المستقبلة التي تتصدرها إيطاليا وجزرها، واليونان وجزرها قبل أن يتسلل المهاجرون إلى عمق القارة الأوروبية. وفي خضم البحث عن حلول، كانت تتكشف معاناة الجميع، فالدول المصدرة تعاني البيئة الطاردة للعمالة، والفئات الاجتماعية الباحثة عن العيش الكريم؛ بسبب الفقر وانعدام التنمية، وأحياناً بسبب النظم السياسية، فيما تعاني دول العبور مشاكلها الخاصة، وأوضاعها الاقتصادية المتردية، وترفض أن تكون مستقراً للمهاجرين غير الشرعيين وعصابات الاتجار بالبشر التي تغتني على حساب هؤلاء الذين في الأغلب ما تنتهي أحلامهم في قوارب الموت في عرض البحر. 

أما الدول المستضيفة أو المستقبلة فهي تعاني ليس فقط مخاوف التغيير الديموغرافي، وإنما من صعود قوى اليمين المتطرف المناهضة للهجرة، والآخذة في اجتياح مختلف المواقع الأوروبية. وسط كل هذه التداعيات التي تفرضها الهجرة غير الشرعية، تبرز المعاناة الأشد والكارثة الإنسانية للمهاجرين أنفسهم، الذين ينتهي قسم كبير منهم في قعر البحر. فخلال النصف الأول من العام الحالي، لقي نحو 2000 مهاجر حتفهم غرقاً في البحر المتوسط، مقارنة مع نحو 1400 خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وفق منظمة الهجرة الدولية. وشهدت إيطاليا زيادة كبيرة في عدد المهاجرين، مع استقبالها أكثر من 60 ألفاً حتى الآن، هذا العام، مقارنة بأقل من 27 ألفاً العام الماضي. وتقدر المنظمة أن إجمالي المهاجرين عن طريق المتوسط إلى أوروبا المتوسطية، وصل إلى أكثر من 82 ألفاً هذا العام. لكن في الإجمال، سُجل أكثر من 20 ألف وفاة منذ عام 2014، بينما تم إنقاذ نحو 300 ألف شخص منذ عام 2015 أثناء محاولتهم عبور المتوسط، وفق وكالة الحدود وخفر السواحل الأوروبية.

هذه الأرقام المتزايدة، فرضت نفسها من دون شك على قمة روما، التي قدمت في النهاية مقاربة موضوعية، على غرار الاتفاق الأوروبي التونسي الذي وقع مؤخراً، تأخذ في الاعتبار مساعدة دول القارة السمراء، سواء المصدرة أو دول العبور على توفير ظروف الاستقرار والتنمية، وتضييق الخناق على مهربي البشر، وتشديد الرقابة على الحدود، في إطار جهود دولية متكاملة، تلتزم بناء شراكة استراتيجية في حل هذه المشكلة، بما يحقق مصالح الجميع، ويسهم في ضمان الأمن والاستقرار العالميين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4r4vcewf

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"