مرونة التفكير الاقتصادي

21:37 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة

للإنسان كمستهلك أو منتج أراء ومنطق وأفضليات يمكن أن تتغير تبعاً للظروف التي يمكن أن تكون أهم من العقيدة أو المحتوى. جمود التفكير مقبول على المدى القصير ولا يصلح لتوقعات متوسطة أو طويلة الأمد، وخاصة لا يصلح في ظروف أزمات. يعتمد الاقتصاديون على الإحصاءات لتفسير الواقع وتوقع المستقبل، لكن المشكلة تكمن في أن النماذج الإحصائية لا يمكن أن تتوقع الأزمات المفاجئة. تبنى هذه النماذج على الاستقرار مع احتمالات حصول نتائج مختلفة ضمن المعايير العادية المعتمدة.

استعملت الإحصاءات بشكل فاعل لتوقع تطور إصابات كورونا ونجحت. من الطبيعي أن يتمنى الإنسان أن تكون هنالك حلول لكل المشاكل، لكن هذا غير واقعي، وبالتالي، تحصل أزمات يمكن أن تكون شديدة الخطورة. من الحلول الواقعية في رأي الاقتصادي ريشارد بوكستابر، هي الإرشاد أي استراتيجية لا تأخذ كل المعلومات في الاعتبار، لكنها تعطي نصائح منطقية للتصرف المستقبلي. الإرشاد هو التصرف الممكن وليس الأفضل، أي واقعي جداً. أما الحلول الفضلى، فيمكن أن تكون كذلك على المدى القريب وليس بالضرورة على المدى البعيد، حيث كل الأمور معرضة للتغيير. إذا كنا نريد فعلاً فهم الأزمات علينا بناء نماذج اقتصادية وإحصائية تنتجها، أي نماذج تبنى على العلاقات بين الناس والمؤسسات كما بين المواطن وبيئته في الاتجاهين. العالم معقد بسبب اختلاف الناس والبيئة كما العقائد والتصرفات والأفضليات.

كيف يمكن تحسين التوقعات؟ عبر فهم أكبر للواقع أي دراسة تفاصيل الأمور وليس فقط تعميم التحليل الذي يلغي أموراً خاصة مهمة. كلنا نعرف لعبة «الليغو» الشهيرة التي وجدت في الدانمارك في سنة 1932 وتعني الكلمة «العب جيداً». عانت اللعبة في 2003 أزمة كبيرة خسرت خلالها 30% من مبيعاتها أي عملياً توجهت نحو الإقفال. ظن المسؤولون أو بعضهم أن السبب هو في ضعف الطلب أي لم تعد الأجيال الجديدة ترغب في شراء هذه اللعبة. واقعاً تريد الأجيال الجديدة نتائج سريعة رقمية في التسلية ولم تعد ترغب في الألعاب التي تتطلب الكثير من العناية والعزيمة والتفكير.

لذا فكر المسؤولون بطريقة أخرى وهي زيارة منازل من يستعمل اللعبة لفهم المشكلة بالتحديد. ذهبوا مثلاً إلى منزل طفل ألماني في ال 11 من عمره وتبين لهم منه وخلال استعماله للعبة أن معلوماتهم خاطئة. لم تكن المشكلة في اللعبة نفسها؛ بل في حجم ولون وشكل بعض القطع التي تستعمل للبناء. جرى تصحيح الوضع وعادت الليغو إلى الازدهار. ارتفعت المبيعات 11% في سنة 2014 فتعدت ملياري دولار.

المقصود هنا وتبعاً للكاتب مارتن ليندستروم، أن على الاقتصادين عدم الاكتفاء بالنظرة الشاملة إلى الأمور؛ بل الدخول إلى التفاصيل حتى الصغيرة كي يفهموا كل الموضوع والعلاقات والخلل والواقع ومن ثم يتوقعون المستقبل. يقول إن من يريد دراسة كيف تعيش الحيوانات لا يذهب إلى الحدائق في المدن؛ بل إلى البرية والغابات، حيث يرى بالعين المجردة ذلك.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mwty2429

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"