عادي
الأزهر يطالب الغربيين بالكف عن الإساءة

عطاءات حضارية قدّمها القرآن لأهل الكتاب

21:53 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: بسيوني الحلواني:

تورّط بعض المتطرفين الغربيين في حرق نسخ من كتاب الله الخاتم (القرآن الكريم)، وهو سلوك عدواني سافر، استفز مشاعر المسلمين حول العالم، حيث لم يسبق لمتطرف ينتمي إلى الإسلام أن حرق كتاباً سماوياً لليهود أو النصارى، فالكتب السماوية يجب أن تعامل بكل احترام وتوقير ويجب احترام مشاعر أتباعها.

الصورة

يؤكد فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، أن الصورة العامة في أذهان الغربيين عن القرآن الكريم ليست خالية من الشوائب، حيث نصّب بعض المستشرقين أنفسهم أوصياء على كتاب الله الخاتم، يقرؤونه وفقاً لهواهم، ويفسرون نصوصه وفقاً لثقافتهم وقدراتهم العقلية المحدودة، ولذلك طال القرآن الكريم كثير من التفسيرات الخاطئة والأحكام الظالمة، لكنّ هذه التفسيرات وتلك الأحكام العشوائية الفاسدة لم تحجب عن المثقفين الغربيين هدايات القرآن وصور إعجازه، فكتب عنه المنصفون مئات الكتب والأبحاث والمقالات، تحدثوا فيها عن إعجازه وعدله وما يتضمن من أحكام تحتاج إليها البشرية كلها لتعيش في أمن واستقرار.

ويضيف: «القرآن الكريم كفل حقوق أهل الكتاب، ونظّم علاقة المسلمين بهم على أفضل ما يكون التنظيم، وقد أمرنا الله تعالى في كتابه الخالد بالبر والإحسان إلى أهل الكتاب من اليهود والنصارى طالما لم يحاربونا أو يؤذونا؛ وذلك في قوله تعالى: «لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ»، كما أرشدنا إلى كيفية الدعوة وأنها تكون بالحكمة والموعظة الحسنة في قوله تعالى: «ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»، فلا إكراه لأحد من أهل الكتاب أو غيرهم على ترك دينه لكي يعتنق دين الإسلام.. وقد ترجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وقال: «مَنْ آذى ذمِّيًّا فأَنَا خَصْمُهُ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمُهُ خَصَمْتُهُ يوْمَ القِيَامَةِ».

وأوضح د. الطيب أن القرآن الكريم وصف لنا أتباع عيسى، عليه السلام، بأنهم الأقرب مودة ورأفة ورحمة للمؤمنين في قولِه تعالى: «وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ»، وقوله تعالى: «وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً».. فهل يحمل كتاب سماوي أو غير سماوي مشاعر مودة ورحمة للنصارى مثل القرآن الكريم الذي يتعامل بعضهم معه بجحود غريب وسلوك عدواني غير مبرر؟

ويضيف: «القرآن مد كل جسور التعاون والتآخي مع أهل الكتاب، فقد أباح القرآنُ للمسلم أن يتخذ زوجةً له مسيحيةً أو يهودية تبقى على دِينها مع زوجها المسلمِ، ويكونُ بينهما ما يكون بين الزوجِ وزوجتِه من المودة والرحمة والاحترام، والعيش الجميل المشترك، وبينهما من الأطفال ما يزيدهما حباً وتماسكاً».

ويرفض شيخ الأزهر ويدين الصورة التي يسوقها بعض الغربيين عن علاقة القرآن بهم أو بمجتمعاتهم، وهي أن الإسلام دين سيف وذبح ومطاردة الآخرين وإكراه الناس عليه وإلَّا طارت رقابهم، ويقول: «هذه الصورة المنكرة لا أصل لها وهي من صنع عقول واهمة ونفوس مغرضة، وتجسد الجهل الفاضح بالإسلام والقرآن، وهي أحد أسباب إشاعة صورة مغلوطة عن القرآن والإسلام عموماً في المجتمعات الغربية، وتلك الصورة ينبغي أن يكون لرجال الدين غير المسلمين جهود واضحة لتصحيحها».

ووضح د. عباس شومان أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث بالأزهر أن القرآن الكريم احتفى بالكتب السماوية السابقة أيما احتفاء، وجاء النص على ضرورة الإيمان بها في صيغة الأمر تارة، وصفة للمؤمنين تارة أخرى، كما يجيءُ عدم الإيمان بالكتب المنزلة أو الإيمان ببعضها دون البعض الآخر علامة على الكفر تارة ثالثة. فمن أمثلة الأمر قوله تعالى: «قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيْسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ».

ويشدد د. شومان على أن عداء بعض الغربيين للقرآن يأتي نتيجة الجهل بهذا الكتاب السماوي الخاتم، وما قدّمه إلى الإنسانية كلها من عطاءات حضارية هم في أمس الحاجة إليها في هذا العصر وكل عصر، ولذلك يجب التصدي لأعداء القرآن والمتطاولين عليه بكل حزم من السلطات التشريعية والتنفيذية في بلادهم، فالتعصب الديني لا يعطي لأحد حق امتهان كتاب سماوي مثل القرآن الكريم الذي يشع على العالم كله نوراً وهدى وتسامحاً ورحمة.

تسامح.. وحرية عقيدة

ويؤكد د. فتحي الزغبي أستاذ العقيدة بجامعة الأزهر، احترام القرآن وكفالته لحرية العقيدة لأتباع الأديان السماوية السابقة، وتجسيد نصوصه لكل صور التسامح في التعامل معهم، ويقول: «لا يوجد كتاب سماوي غرس في أتباعه فضائل التسامح والعفو والرحمة في التعامل مع المخالفين في العقيدة كما فعل القرآن الكريم، حيث نهج القرآن نهجاً حضارياً، ورسم صورة مضيئة لما ينبغي أن تكون عليه علاقة المسلمين بغيرهم من أهل الكتاب».

ويضيف: علمنا القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى لم يخلقنا لنتصارع ونتشاحن ونتقاتل ويحقد بعضنا على بعض، لكنه رسم لنا طريق الحياة الآمنة المستقرة التي تقوم على احترام الآخر، والتعاون معه واحترام حقوقه، والتعامل معه بتسامح ورحمة، فقد خلقنا الله مختلفين في طباعنا وأفكارنا وقناعاتنا، وهو سبحانه القائل: «ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك».. وهذا الخلاف بين الناس لم يرده الخالق الحكيم ليتصارع خلقه ويتشاحنوا ويتقاتلوا، ويزهق بعضهم روح بعض، كما نرى في تعامل غير المسلمين مع غيرهم اليوم في مناطق عدة في العالم، لكنه سبحانه أراده خلاف تنوع، يدفع الناس جميعاً إلى الحوار والتفاهم وتبادل المنافع وإثراء الحياة الفكرية والثقافية، ولذلك قال سبحانه: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا»..

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr296825

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"