هل تتوسع الحرب الأوكرانية؟

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

رغم أن الاستخبارات العسكرية البريطانية تصدر تحديثات دورية، إلا أن تحديثها الأخير هذا الأسبوع حظي بتغطية إعلامية واسعة على غير المعتاد. 

التحديث كله كان عن مجموعة فاغنر الروسية التي قيل إنها تمردت في يونيو الماضي وحاولت الانقلاب على الكرملين. وتقول الاستخبارات البريطانية العسكرية إنه ربما أوقف الكرملين تمويل مجموعة فاغنر، وذلك استناداً إلى تحركات حكومية تجاه شركات يملكها قائد المجموعة يفجيني بريغوجين. وأشار التحديث الاستخباراتي إلى أن بيلاروسيا ربما كانت هي من يموّل فاغنر الآن، وأن المجموعة ربما تعمل على خفض عدد مقاتليها لتقليص النفقات.

بداية، ومنذ أكثر من عقدين من الزمن لم يعد منطقياً أن تؤخذ أجهزة المخابرات الغربية على أن استنتاجاتها مسلَّم بها. فلم ننس بعد «دوسيه» حرب العراق في 2003 الذي قال رئيس الوزراء وقتها توني بلير إن الاستخبارات أعدته ويثبت أن العراق يمكنه إنتاج سلاح نووي في أقل من ساعة. وثبت بعد ذلك أن كل ذلك تلفيق وكذب فجّ. وغير ذلك من «الفرقعات التي غالباً ما يمكن أن تكون من قبيل «الدس المعلوماتي المقصود».

أما أن الحكومة الروسية تموّل فاجنر، وكأنها ذراع شبه عسكرية لها، فهي أيضاً شبه تضليل إعلامي. ففاغنر شركة مرتزقة خاصة، دفعت لها الحكومة الروسية مقابل مشاركتها في حربها في أوكرانيا. مثلها في ذلك مثل شركة بلاك ووتر الأمريكية التي استعان بها الجيش الأمريكي في حروبه في أفغانستان والعراق وغيرهما. 

وطبيعي أن تتوقف موسكو عن الدفع لفاغنر طالما لم تعد تستعين بخدماتها في أوكرانيا. لكن فاغنر متعاقدة على أعمال أخرى، في بعض دول إفريقيا وغيرها، وربما تحصل على عائدات معقولة من تلك التعاقدات. أما الإشارة إلى أن بيلاروسيا يمكن أن تمول مجموعة فاغنر؛ فهو أمر صعب التصديق نظراً لما تعانيه بيلاروسيا أصلاً من ضائقة اقتصادية. وإذا كانت وفرت ملاذاً لمقاتلي المجموعة، فالأرجح أن قائدها بريغوجين هو الذي يدفع مقابل ذلك للحكومة البيلاروسية.

لكن لماذا الاهتمام بفاغنر الآن، ولِمَ من استخبارات بريطانيا؟ مع أن أحداً في حلف (الناتو) أو من الحلفاء الغربيين يتصرف في مسألة أوكرانيا إلا بالتنسيق مع أمريكا، بل وهناك شبه إجماع على أن أمريكا هي القائد الفعلي في هذا الصراع مع روسيا. إلا أنه منذ بداية الحرب وبريطانيا تزايد أحياناً على واشنطن، بالتصريحات على الأقل، في دعم أوكرانيا والعداء لروسيا. لا يضاهيها في ذلك سوى بولندا.

يأتي التحديث الاستخباراتي الأخير بشأن فاغنر، بعد أيام من حشد بولندا عشرة آلاف من قواتها على الحدود مع بيلاروسيا. وأيضاً مع حملة في الإعلام البريطاني بأن بيلاروسيا تستعد لدخول الحرب إلى جانب روسيا في أوكرانيا، وأن قوات فاغنر قد تكون جزءاً من ذلك. أما بولندا، فقد صعدت من لهجتها العدائية تجاه جارتها بيلاروسيا، وتحاول الإيحاء بأن أي تحرك من بيلاروسيا سيعتبر مدعوماً من روسيا ومستهدفاً بلداً عضواً في الناتو.

فهل تريد بولندا توسيع نطاق الحرب بحادث ما، على الحدود مع بيلاروسيا يستدعي تدخل الناتو. وحينها سيمكن للناتو التدخل المباشر في أوكرانيا ضد القوات الروسية على اعتبار أنها متحالفة مع بيلاروسيا. وهل تلعب بريطانيا جزءاً في هذا المخطط المفترض؟.

تبدو كل تلك الافتراضات وكأن بها قدراً من الشطط، لكن في حالات الصراع الساخن لا شيء مستبعداً. وإذا كانت واشنطن حريصة منذ بداية الحرب على ألا يتورط حلف الناتو فيها ضد روسيا، فهل تغير ذلك الآن. أي أن أمريكا ترى أن روسيا لن تهزم إلا بتدخل مباشر من الناتو، خاصة وأن الهجوم المضاد الأوكراني لا يحرز تقدماً وأن روسيا ربما أنهكتها العقوبات الاقتصادية وبالتالي لا يخشى من الضغط عليها عسكرياً.

يبدو الاحتمال الأخير مستبعداً، خاصة وأن الاستراتيجية الأمريكية تستبعد إشعال حرب نووية. كما أن من الصعب تصور أن بولندا وبريطانيا تخططان لأمر يتعلق بحرب أوكرانيا دون علم الأمريكيين وموافقتهم.

هل يعني ذلك أن التصورات السابقة بعيدة عن الحقيقة تماماً؟ ربما. لكن احتمال توسع الحرب يظل قائماً وعلى الأرجح ستكون بولندا مفتاح ذلك التوسع إن حدث.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/kw55n9ex

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"