مفارقات أدب الطفل العربي

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

ما هي الغايات الأساسية المنشودة من وراء أدب الطفل في العالم العربي؟ حاول أن تضع بعض العناوين المهمّة لهذه الأهداف، ثم استعرضها واحداً واحداً، وحكّم عقلك في مدى تحقيقها المرجو منها، سترى المرامي بعيدة المنال.
إذا كان المراد تنمية الإحساس بجمال اللغة العربية لدى الطفل، فيا خيبة المسعى. منذ العقد السادس الماضي تردّت لغة الكتابة للأطفال، جرّاء ظهور كتّاب ليسوا بالكتّاب، ومترجمين ليست لهم مهارات أسلوبية، وأحياناً عربيتهم ليست بالعربية. ألفُ رحمةٍ على الزمن الجميل أيّامَ محمد عطية الأبراشي وكامل كيلاني. بعدهما سادت موجة عوجاء هوجاء كأنها تقول: الصغار يكتب لهم الصغار. يكفيهم من يستطيع الجمع بين الفعل والفاعل والمفعول. هنا يأتي دور ضوابط النشر. ثمّة نوعان أساسيان من الضوابط. إمّا أن تكون مرجعيّة التقويم والنشر أو عدم النشر، في يد جهة رسمية؛ وإمّا أن تكون منظومة قيم تقود عمل دار النشر وتخاف بها على صيتها. مثلاً: ثمّة دور عالمية معروفة بأنها لا يمكن أن تنشر كتاباً فيه أخطاء لغوية، ولو دفع الشخص الملايين، مثلما ترفض الصحف التي تغار على لغتها، نشر الأخطاء اللغوية في الإعلانات قائلة للمعلن: «أنت تشتري مساحة الإعلان، لا اللغة».
أمّا إذا كان المرام توسعة آفاق الخيال لدى الأطفال، فمسافة أرنبة الأنف لا تحتاج إلى زاد الأسفار، وشبر ماء لا يستدعي تصنّع سبر الأغوار. المهمّ في أدب الطفل هو عنصر الخيال، وهذا، كما يقول القدامى: «لا يباع في سوق، ولا يوجد مطروحاً على الطريق». يقيناً، ثمّة مستويات شتى، فما كل المعادن معدنها كريم، ولا كل أدب طفل ينافس «الأمير الصغير» للأديب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري، الذي ترجم إلى 230 لغة، وتباع منه مليون نسخة سنوياً، أو مثل «أليس في بلاد العجائب»، القصة التي كتبت بسحر تتعانق فيه الفلسفة والشعر، وجاء الفيلم ليكسوها سحراً على سحر. هل قال الفرنسي: كيف ينزل الأديب الكبير إلى مستوى الكتابة للصغير؟
لعل من رديء كتب الأطفال، تلك الفئة المثقلة بالمعلومات، التي تجعل كتاب الطفل وكأنه مقتطفات من دائرة المعارف. هذا النمط يندرج ضمن الطرائق التربوية التقليدية القائمة على حشو الدماغ وإهالة أتربة المعلومات عليه. أدب الطفل أمانة جماليّة وليس مدرسة نصائح. الغايات المنشودة بسيطة، تلك البساطة التي في السحر. روعة أدب الطفل تتلخص في: سعة الخيال والإحساس بجمال اللغة. تلك بصمات لا تمحى من الذاكرة على مرّ السنين.
لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: ليس ثمة رقابة أسهل من رقابة أدب الطفل. يُرفض أيّ كتاب ليس فيه سعة خيال ولا إحساس بجمال اللغة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckdmy6r

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"