شموليّة ديمقراطيّة الموسيقى

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تسمح بالعودة إلى نصيب الطفل العربي من الموسيقى؟ المأساة أبعد من النصيب الضئيل، ومن تعبير بيرم في «شمس الأصيل»: «ع اللي حظه قليل». دع الذوق والإحساس بالجمال جانباً، حتى لا يشغلنا أحد عن الطريق، بتعبير العرفاء. ما رأيك في المنطق والبرهان العلمي؟

تعال نتدرّج في الاستدلال. منذ مولد الصغير العربي، نسأل الله ألاّ يكون فريديّاً أطرشيّاً: «عدت يا يوم مولدي»، إلى بداية المراهقة، لا نجد في المكتبة الموسيقية العربية ما يناسب سنّه. تخيّل الرضيع المسكين في مهده، وأمّ كلثوم تصدح: «ح سيبك للزمن، لا عتاب ولا شجن.. تقاسي من الندم وتعرف الألم.. تشكي مش ح اسأل عليك.. تبكي مش ح ارحم عينيك»، يعني: لا حليب ولا تغيير حفّاضات.

أمّا إذا بحثتَ عن أعمال يُعتدّ بها للوتريات والنافخات، عزف فردي، ثنائي، ثلاثي... أو مؤلفات أوركسترالية، فسوف تعود بما يشبه خفّي حنين. ستجد وفرةً من التقاسيم المرتجلة، التي لا يصنّفها العارفون كأعمال موسيقية. أنت تسمع التقسيم كتمهيد لموّال، هو الآخر مرتجل، قبل الأغنية (صالح عبد الحي، فريد...) أو في أثنائها (القصبجي، محمد عبده صالح...). لدينا أيضاً نثريات أوركسترالية يحتاج أهل الاختصاص إلى اختراع مسمّى لها بين الأجناس الموسيقية، لكن، لا إلى حدّ الدعابة كتسميتها «طقطوقة أوركسترالية»، مثل «حياتي» لمحمد عبدالوهاب.

أمّا الأدلّة الكربونية المفحمة فمركز جاذبيتها أنه لا توجد ديمقراطية ذوقية جماليّة فنيّة فوق ديمقراطية الموسيقى، فهي تتجاوز التعبير الفنّي الموجّه إلى البشر، من النبات إلى الحيوان إلى الإنسان. يغتنم القلم الفرصة للهمس في سمع الذين لا يحسنون قراءة روائع ميراثنا الثقافي، بأن لذلك الصوفي الفيلسوف، الذي لم يعرف ذرّة من الفيزياء، محيي الدين بن عربي، مقولة مدوّخة: «السماع منشأ الوجود، فإن كل موجود يهتزّ». لغير العارفين: السماع هو الموسيقى عند قدمائنا. والاهتزاز هو الترددات والذبذبات. أعمال موتزارت، وسائر الموسيقى السيمفونية الجادّة، تسرّع نمو النبات، وتزيد وفرة أصواف الضأن، وتجعل الأبقار تدرّ حليباً أكثر. أمّا لدى البشر، فالموسيقى تغمر الجنين في بطن أمّه بالسعادة، بفضل زيادة إفراز الدوبامين، هرمون السعادة، السيروتونين، باعث الاطمئنان، الأوكسيتوسين، هرمون الحب ودوره الأساسي في مرحلة الرضاعة. باختصار: الموسيقى لغة الجماد، فكل شيء يتذبذب، الماء له تردّدات (فريكانس)، لغة النبات والحيوان، والإنسان من المشيمة إلى ما فوق المئة. الموسيقى الجادّة هي الحلّ، لنسعف صغار العرب بفنّ رفيع تستمتع به الكائنات من الجماد إلى الإنسان.

لزوم ما يلزم: النتيجة اللغزية: لماذا يُعرض الموسيقيون العرب عن خوض تجربة الموسيقى المستقلة الخالصة العارفة الجادّة؟ هذه هي المسألة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5cbyuda2

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"