عباءات فرنسية

00:44 صباحا
قراءة دقيقتين

قبل ثلاثة أشهر، اصطنعت الحكومة الفرنسية، ممثلة في وزير الداخلية، أزمة جدّدت الاتهامات الموجهة لها، باستهداف الفرنسيين المسلمين بإجراءات لا دستورية ولا قانونية. وقتها، طلبت وزارة الداخلية الفرنسية من بعض الإدارات التعليمية، موافاتها بعدد الطلاب المسلمين الذين تغيبوا عن المدارس يوم عيد الفطر الماضي. وفتح هذا الإجراء باب الهجوم على الوزارة، حدّ اتهامها بالعنصرية تجاه أبناء الجالية المسلمة في فرنسا، ونقابات التعليم هناك، وجماعات مناهضة للتمييز؛ بل إن الأزهر الشريف استهجن هذا التوجه.

الآن، وبمناسبة العودة إلى المدارس الفرنسية، يقود غابرييل أتال، وزير التربية الوطنية، حملة في مواجهة ارتداء العباءة الإسلامية في صفوفها، مبرراً ذلك بالرغبة في توحيد الشكل حتى لا يتم التعرف إلى ديانة طالب بمجرد النظر إليه.

لا يمكن لمعظم المسلمين في فرنسا أو خارجها تمرير هذا التبرير وهضمه من غير الشك في الدوافع الأصلية لحظر العباءة الإسلامية والقمصان الطويلة في المدارس، خاصة مع تصميم الوزير على البدء فيه من الأسبوع المقبل، وإعلانه أنه سيلتقي بمديري المدارس للاتفاق على آلية التنفيذ.

مرة أخرى، تصبح المفردات الإسلامية من دون غيرها محل مراجعة من الحكومة الفرنسية، ويقف الفرنسيون المسلمون في خانة التهديد لوحدة المجتمع، وهو ما لا يمكن فصله عن مسألة «الإسلاموفوبيا» المستشرية فيه من غير مبرر.

خطوة الوزير غابرييل أتال لقيت دعماً من الحكومة التي ترى في حظر ارتداء العباءة في المدارس استجابة لضرورة الاتحاد في مواجهة «هجوم سياسي» لم تحدد مصدره، ولا درجة خطورته التي استدعت «تشكيل جبهة موحدة» في مواجهة الهجمات التي تستهدف العلمانية.

ربما يكون الخطر الحقيقي المحدق بالمجتمع الفرنسي هو الرعاية الرسمية لتصرفات تستهدف جزءاً من نسيجه، بحجة الدفاع عن العلمانية من باب الهجوم على أحد مرتكزاتها، وهو الحرية التي لا تتعارض مع القوانين المنظمة للتعايش والتجاور في وطن واحد.

لا يمكن التعامل مع العباءة الإسلامية أو أي ملابس للطالبات المسلمات على أنها «إشارة سياسية»، أو على أنها تعد شكلاً من أشكال «التبشير» كما وصفها أوليفييه فيران، المتحدث باسم الحكومة، يستدعي ربطه بخطط تدريب 300 ألف موظف سنوياً في قضايا العلمانية حتى عام 2025.

ليس في الأمر تزيّد حين نربط مثل هذه الإجراءات الفرنسية بمحاولات القفز على مشكلات أكبر تواجهها فرنسا ومرشحة للتفاقم والتزايد خارج أراضيها، وتحديداً في إفريقيا؛ حيث يعاد تشكيل الوجود الفرنسي الطويل والمتوغل في أراضيها على غير ما تشتهي باريس.

يُخشى أن تكون العباءة ستاراً لنوايا فرنسية تجاه المسلمين، أو بالأحرى تجاه الفكرة الإسلامية، وبالتحديد ترويج الفزع من سيطرة تنظيمات بعينها على قارة إفريقيا أو غيرها، ما يبرر إعادة التموضع في هذه المناطق، بحجة مكافحة الإرهاب. وإن حدث ذلك، سيكون بلا شك بداية متاعب جديدة لفرنسا كُلفتها أعلى مما تروج له حكومتها حول خطر العباءة الإسلامية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc7tryh8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"