مزيد من التحفيز الصيني

21:38 مساء
قراءة 3 دقائق

نايغل غرين*

على النقيض من التضخم المرتفع الذي تعانيه الولايات المتحدة وأوروبا، تواجه الصين معدل تضخم منخفضاً بشكل مقلق، حيث أظهر مؤشر أسعار المستهلكين نمواً فاتراً بنسبة 0.3% فقط، على أساس سنوي. ما يشير إلى تهديد انكماشي مستمر من الممكن أن يقوض الاستقرار الاقتصادي إذا لم يتم التعامل معه على الفور.

ومن العوامل المهمة التي فاقمت المشاكل الاقتصادية في الصين أزمة العقارات المستمرة. فبعد أن كان هذا القطاع محركاً قوياً للنمو، لا يزال يعاني مستويات الديون المرتفعة بين مطوري العقارات، الأمر الذي تسبب بتراجع حاد في أعمال البناء.

ونتيجة ذلك، شهدت أسعار المساكن الجديدة في الصين، الشهر الماضي، أكبر انخفاض لها منذ ما يقرب من عقد من الزمان، في إشارة إلى أن عملية الإنقاذ التاريخية للقطاع العقاري في بكين لم تحقق التأثير المطلوب منها بعد. وكان لهذا التباطؤ، ولا يزال، آثار بعيدة المدى، إذ أدى إلى تقليص الاستثمار، وزيادة البطالة، وتآكل ثقة المستهلك.

وقد انخفض الاستثمار العقاري في البلاد خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، بنسبة 10.1% مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لبيانات المكتب الوطني للإحصاء في يونيو/ حزيران، وانخفضت معه مبيعات العقارات الجديدة بنسبة 28% خلال الفترة نفسها. ويُخشى من أن يمتد عدم استقرار سوق الإسكان إلى مجالات أخرى من الاقتصاد، ما يجعل من الضروري لبكين التدخل بتدابير دعم مستهدفة وأكثر قوة.

وهناك قضية ملحة أخرى تتمثل في ضعف الطلب المحلي. فعلى الرغم من الجهود المختلفة لتحفيز الإنفاق، يبقى المستهلكون الصينيون حذرين، في وقت لم ينتعش فيه استهلاك الأسر إلى مستويات ما قبل الأزمة بعد.

وهذا الطلب البطيء يشكل عبئاً كبيراً على النمو الاقتصادي، ويؤكد الحاجة إلى سياسات قادرة على تعزيز ثقة المستهلك والقدرة الشرائية. وتعتبر التدابير الإضافية، مثل الإعانات المباشرة والحوافز الضريبية ودعم الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، محفزاً مهماً يساعد في تنشيط الاستهلاك المحلي.

وفي السياق ذاته، وبينما قد تبدو بيانات التجارة الأخيرة مشجعة، حيث تجاوزت قيمة الصادرات الواردات خلال الشهرين الماضيين، فإن هذه الأرقام تخفي قضايا أساسية. ومن الواضح أن النمو المسجل في أرقام الصادرات مدفوع جزئياً، بتأثير القاعدة الأساسية المنخفضة، ما يجعل الأرقام الحالية تبدو أفضل مقارنة بمستويات العام الماضي المتراجعة.

إضافة إلى ذلك، فإن النمو الحاصل في الطلب العالمي الذي دعم صادرات الصين قد لا يكون مستداماً، بخاصة إذا بدأت الاقتصادات الكبرى الأخرى بسلك طريق التباطؤ. وبالتالي، فإن الاعتماد على أداة التصدير وحدها، بوصفها علامة على الصحة الاقتصادية، قد يكون مضللاً.

ونظراً لهذه التحديات، فإن الأساس المنطقي لزيادة التحفيز من بكين مقنع، ومن شأن السياسات المالية والنقدية المحسنة أن توفر دفعة ضرورية لتنشيط الاقتصاد. وقد تساعد التدابير المستهدفة لدعم قطاع العقارات، مثل تخفيف شروط الائتمان للمطورين ومشتري المنازل، على استقرار هذه الصناعة الحيوية. إضافة إلى ذلك، فإن السياسات الرامية إلى تضخيم واردات الأسر، وثقة المستهلك، ضرورية كذلك لعودة الطلب المحلي إلى سابق عهده.

وإضافة إلى تدابير التحفيز الفورية، ربما تحتاج بكين إلى التركيز على الاستثمارات الاستراتيجية طويلة الأجل في البنية الأساسية والتكنولوجيا والطاقة الخضراء. ولن توفر هذه الاستثمارات دفعة اقتصادية قصيرة الأجل فحسب، بل ستضع الأساس للنمو المستدام أيضاً. ومن خلال التركيز على القطاعات ذات إمكانات النمو العالية، تستطيع الصين الحد من اعتمادها على العقارات والصادرات، ما يخلق نموذجاً اقتصادياً أكثر توازناً ومرونة.

وللتأكيد على ذلك، فإن الوضع الاقتصادي في جمهورية الصين الشعبية يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة. والفشل في التصرف بسرعة وبقدر كاف قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على ثاني أكبر اقتصاد عالمي.

كما سيهدد التقاعس بإطالة أمد عدم الاستقرار الاقتصادي، ويُقوض الثقة بالأسواق المالية الصينية، وربما يشعل فتيل تباطؤ اقتصادي أوسع نطاقاً مع عواقب عالمية خطيرة، والتدخل السريع والقوي أمرٌ بالغ الأهمية لتجنب هذه النتائج.

*المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفيرا» للاستشارات المالية والحلول الرقمية «آسيا تايمز»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yxvrscn4

عن الكاتب

المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة «ديفيرا» للاستشارات المالية والحلول الرقمية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"