تفكك الدول وأسئلة المصير

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

في هذا الوقت يحتدم الجدل حول الحضارات ونشأة الدول، وما الذي دفع البشر إلى الاجتماع تحت ظل قيادة واحدة؟ والتساؤل عما إذا كان التاريخ البشري هو نتاج حضارة أولية واحدة، أم أنه حصيلة تراكم مساهمات حضارية متعددة ومتعاقبة على مر القرون؟

 السؤال الجوهري هو حول وضع الحضارات الغربية المعاصرة ومستقبلها، وجوهر وحدة البشرية على قيمة كل الحضارات العالمية، والمفهوم الشامل للوجود البشري منذ بداية ظهور مفهوم الدول، واعتبار الدولة أسمى من الفرد بسبب وجود القوانين التي تحكم العلاقة بين الأفراد التابعين لها وبين الأفراد أنفسهم.

 وقد تتبع عدد من المفكرين والفلاسفة فكرة نشأة الدولة، ومن أبرز هؤلاء المفكر جان جاك روسو الذي توسع كثيراً في شرح مفهوم الدولة حتى أصبح كتابه «العقد الاجتماعي» مصدر إلهام للشعب الفرنسي، ولشعوب القارة الأوروبية، بل والعالم من بعده، إذ أصبحت نظرية العقد الاجتماعي هي الشريعة التي تحكم العلاقة بين الحاكم والمحكومين.

 ولا تزال هذه النظرية تحكم الفكر السياسي المعاصر، لكن مع اختلاف كبير، نظراً لتطور الزمن، وازدياد حاجات الفرد، فالدولة المعاصرة الحديثة باتت تقوم بأدوار كبرى، فهي لا تتولى فقط حفظ أمن الأفراد بل إنها أصبحت تقوم بأدوار الرعاية المختلفة، حيث توفر لمواطنيها كل ما يحتاجون إليه من خلال الوزارات والمؤسسات المختلفة التي تسعى بلا كلل لتقديم أفضل ما يمكن تقديمه من خدمات ورعاية، وفي الوقت نفسه تتولى مهمة الدفاع عن الوطن وتكرس في سبيل ذلك كل ما تقدر عليه من قوة.

 لكن ما ينطبق على الدول الأوروبية يختلف كثيراً عما نراه في واقعنا، إذا نرى، مع الأسف، بعض الدول العربية والإفريقية، فقدت عرى ذلك العقد الاجتماعي بين الدولة والفرد، إضافة إلى تدخل قوى إقليمية في المشهد تثير النعرات والعصبيات والحروب بين أبناء الشعب الواحد. فتحولت تلك الدول إلى لوحة مأساوية، تضاف إليها كل يوم مآسٍ جديدة، تزيدها قتامة، هذا المشهد الأليم المتجرد من الأخلاقيات، المؤدلج على تدمير كل مكتسب حضاري وإنساني عبر عقود من المعاناة، لأجل تفريغ شحنة الانتقام التي غذتها أفكار متطرفة، هدفهم استدعاء تاريخ الصراعات الغابرة والمصائب الكبرى واللعب بالنار، بحثاً عن الأسباب الداعية إلى الوقوع في العنف وسفك الدماء العنيف إلى درجة العمى والغرور، والسير بعكس ما تمليه روح الفضيلة، ونزع لباس الإنسانية، لباس الأخلاق، نتيجة التمحور حول التفكير الذاتي، بحيث نصبح معه منشغلين بأنفسنا، فلا ننتفع بماضٍ ولا نعيش حاضراً ولا نحلم بمستقبل.

 إن من أبرز أسباب الانهيار، في بعض الأقطار، ذلك الجيل الذي يناقض شكله جوهره، ويعيش اغتراباً أليماً نابعاً من شعورهم بالدونية، ولذلك نراهم يلجأون إلى الخراب والدمار، أو الحيلة الاستبدادية المعروفة في علم النفس بالتعويض، حيث يستعلون على أمتهم، ويغالون في شنّ الحروب، بعد أن يحلّوا أو يعتقدوا أنها فكرة عظيمة في الخيال، والهروب إلى عالم الوهم في تشكيلية كاذبة، ويجهلوا ويتجاهلوا القانون الأساسي الذي ينظم نشوء الدول، ويحافظ للحضارة على توازنها، ويحول بينها وبين كل تخبط وعشوائية، دون إدراك لأن الحفاظ على الشعوب أمر تفرضه الشرائع والقوانين الأخلاقية، التي تُقدس الإنسان في معناه الأسمى المتجرد من كل إضافة؛ دين أو لون أو عرق أو جنس.

 ولكن مع الأسف، في ظل الحروب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي خضم الصراعات والنزاعات العديدة، وعلى مر الزمن وعبر عصوره المديدة، تتناثر علامات الاستفهام والكثير من الاحتمالات والتوقعات في مسارات تفتت الدول. وهو ما يحدث في النيجر والغابون وغيرهما من تعليق لمؤسسات الدولة وإغلاق حدود البلاد، وهو انعكاس لتعقيدات إشكالية سياسية نتيجة وجود تدافع قوي داخل مجموع الوحدات المكونة لوحدة الدولة، ما أثر بشكل سلبي في الاستقرار السياسي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4a2rs3v3

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"