وأين الشعوب؟

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

يربط كثيرون توالي الانقلابات العسكرية في إفريقيا بفشل السياسات الغربية في القارة السمراء، ويقفون تحديداً عند فشل فرنسا في الحفاظ على وجودها التاريخي في مناطق عدة، وهو الوجود الذي ارتبط طويلاً بعائلات تتوارث الحكم، وسيطرة على ثروات كثيرة مع غض الطرف عن تجاوزات متعلقة بصيغ تداول السلطة، حتى لو اتخذ الأمر شكل الانتخابات، إذ لم تكن في كل الأحوال إلا مجرد مناسبات شكلية لا تغيّر شيئاً.

ومن صور هذا الفشل، عدم القدرة على قراءة الرسائل الواردة من توالي الانقلابات في إفريقيا، وتحديداً في وسط القارة وغربها، منذ ثلاث سنوات، حتى وصلت إلى الغابون التي يُخشى ألا تكون آخر محطات هذه التبدلات السياسية الحادة في ظل توفر الظروف الداعية إليها في أكثر من بلد إفريقي، والأهم هو استمرار صراع القوى الكبرى في العالم على هذه المنطقة التي تكتنز ثروات طائلة.

هذه الثروات لم تترجم إلى شيء في حياة شعوب الدول الإفريقية، فعوائدها تذهب إلى جهات محددة في الداخل والخارج، بينما تبقى حياة السكان، ومعظمهم من الشباب، رهينة الفقر والتخلف، وهو ما يفتح أبواباً لتدخل العسكريين وانتقال عدوى سيطرة الجنرالات على مقاليد الحكم، خاصة مع ضعف أو غياب قوى معارضة، وعجز المنظمات الإفريقية عن التأثير في ما يجري.

في الوقت نفسه، لا يعوّل أحد على وجود العسكريين في الحكم باعتباره مدخلاً لنصرة شعوب البلدان التي تشهد الانقلابات العسكرية، فليس في حكم المضمون أن تنعم بثرواتها ولا بحياة ديمقراطية حرمت منها طويلاً، بل إن الخشية كبيرة من أن تعود الجموع التي خرجت إلى الشوارع مؤيدة التحركات العسكرية، آملةً في غد أفضل بعيداً عن القبضة الفرنسية، خائبة الرجاء، فالانقلابات دوامة قد لا تنتهي، والقوى التي تفقد نفوذها قد تبحث عن صيغ أخرى للعودة على ظهر قوى داخلية، وهكذا تستمر المأساة.

وفي الوقت نفسه، هناك قوى أخرى تتمدد في القارة السمراء منذ عقود، وأصبح لها مصالحها المستقرة في معظم دولها، ولها أيضاً حلفاء يعنيهم استمرار هذه المصالح، وهي اقتصادية في الأساس إذا كان الحديث عن النفوذ الصيني، وأمنية إذا تعلق الأمر بروسيا.

للصين وجود اقتصادي في إفريقيا بدأ منذ عقود، لكنه متمهل وبعيد عن الصخب، ما سمح له بالتوغل في الحياة اليومية للسكان عبر الاستثمار في إقامة بنى تحتية وأنشطة اقتصادية تفيدهم، ما يقدم وجهاً معاكساً لنشاط القوى الغربية القائم على استغلال الثروات الطبيعة وحرمان السكان منها. وتقدم روسيا نفسها للدول الإفريقية من باب الحليف الاستراتيجي المعني بتوفير الأمن والغذاء، ولو بالمجان إذا تعلق الأمر بالحبوب، وتسعى أيضاً لترسيخ أقدامها طويلاً في المنطقة.

صراع هذه المصالح في إفريقيا أو غيرها مفهوم وتقليدي، لكن المخيب للآمال أن يمضي متجاهلاً احتياجات الشعوب الأساسية أو حقوقها، فتبقى تائهة بين الاستبداد والانقلابات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/452m7se8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"