أجواء «بونزية» خطرة

22:11 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة *

نفذ تشارلز بونزي مخططه «الجهنمي» عبر جذب المال وتحقيق الثروة للمستثمرين في شركته. قال بونزي للمستثمرين إن عندهم خياراً من اثنين، أي توظيف المال في مصرف والحصول على 5% في السنة أو إعطاؤه لبونزي ليستثمره والعائد 50% تراكمي لكل 45 يوماً. هذا يعني أن استثمار 100 دولار مع تشارلز يصبح 2500 دولار بعد سنة و65000 دولار بعد سنتين. فأياً منهما تختارون؟ وما اختار ألوف المستثمرين وقتها؟ حتماً فاز عرض بونزي بسرعة. كان تشارلز يستعمل الاستثمارات الجديدة لتسديد الديون القديمة وهكذا استطاع تحقيق مخططه الذي مكّنه من الاغتناء بسرعة، لكن لكل شيء نهاية ولا بد للمخطط من أن ينفجر في أي وقت وهذا ما حصل.

كان عليه أن يعترف بالخسارة والغش ويعيد ما تبقى من أموال إلى أصحابها ويترك للخاسرين والضحايا والقضاء محاسبته بالطرق الشرعية المناسبة. لكن تشارلز كان يعتقد أن بإمكانه أن يخرج سليماً إذا كان الوقت كافياً للمعالجة. لم يكن الوقت كافياً فاضطر لبيع منزله لتسديد الديون، كما وضع محتويات المنزل في المزايدات التي سمحت بالحصول على أموال كبيرة وان لم تكن كافية. 20 ألف مستثمر حصلوا على 37.5% من أموالهم وانتقلوا إلى محطات أخرى في حياتهم. ذهب بونزي إلى السجن وخرج بعده ليطرد من أمريكا إلى إيطاليا في 1934 لأنه لم يكن يحمل الجنسية الأمريكية وكان في ال 52 من عمره.

في سنة 1939 غادر إلى البرازيل لتسلّم فرصة عمل في شركة طيران إيطالية. مرض وذهب إلى المستشفى لقضاء ما تبقى له من أيام. على فراش المستشفى، قال «سرقت بول لإعطاء بيار» وهذا أكثر ما يعرف به. توفي في 1949 من جلطة دموية في الدماغ وكان عمره 66 سنة ومعه فقط 75 دولاراً كافية وقتها لتسديد تكلفة الدفن في البرازيل. مخططات بونزي تمارس اليوم في القطاعات المالية والمصرفية والنقدية بالرغم من وعي المجتمعات أكثر والتعلم من تجارب الماضي. نعيش في لبنان اليوم في أجواء «بونزية» لن تنتهي على خير مهما كنا متفائلين. ما الذي ما زال يسمح بنجاح هذه السرقات خاصة وأن الحقيقة المُرّة لا بد وأن تظهر عاجلاً أم آجلاً؟

هنالك الطمع والرغبة في المخاطرة والنجاح السريع غير المتعب «animal spirit». يعتقد الإنسان أن ما حصل مع غيره لن يحصل معه وبالتالي يغامر. هنالك فقراء يحاولون التعلق ب«شعرة بونزي» لتحقيق الثروة للإنفاق على أنفسهم وعلى عائلاتهم. هنالك من ينجح لكن لا بد للشبكة من أن تسقط في النهاية. هنالك من يدخل في مخطط بونزي عن جهل لقواعد السلامة المالية والاستثمارية ويثق بمن يغشه وبالتالي يخسر ما عنده. يتعلق المستثمرون بالأمل والأحلام دون دراسة أو تقييم العروض المقدمة، فيخسرون في نهاية المطاف. ربما يربح فقط من يخرج من المخطط في المراحل الأولى، لكن الطمع عموماً يتغلب فتأتي معه الخسائر والأوجاع والعذاب والندم.

* كاتب لبناني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s3pz9zw

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"