دورات الزمن في العالم الشرق أوسطي

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

بأي حساب لم تكن الأسابيع الأخيرة مرحلة طيبة في التاريخ الحديث للمنطقة التي نعيش فيها، وككل مراحل التاريخ يصعب جداً تحديد نقطة بداية هذه المرحلة، وبطبيعة الحال يصعب أيضاً وربما أكثر، التنبؤ بلحظة نهايتها.

اجتمعت على منطقتنا وشعوبها في هذه المرحلة الأخيرة كوارث طبيعية، وحروب أهلية، وأعمال إرهاب، وموجات جوع. تلحق بهذه الكوارث موجات عطش، أو تهديد بقرب وقوعها، وفلتان قمع واستبداد. يواكبها في أحسن الظروف انحسار في الديمقراطية وفي احترام الحقوق الإنسانية، وإنكار متعمد، أو رخيص لمبادئ سيادة القانون، وانتشار البطالة بكل أشكالها.

اهتزت الأرض تحت مدينة مراكش، واحدة من أجمل وأروع مدن المملكة المغربية، سبقتها في تركيا وسوريا هزة ليست أقل عنفاً وتدميراً، والهزتان خلّفتا أعباء نفسية وبشرية ومادية ستكون من نصيب حلقات متعددة من أجيال لم تولد بعد في البلدين. مثل هذه الأعباء تنتظر أجيالاً مماثلة، أي لم تولد بعد، في دول في المنطقة تهاونت في إدارة اقتصاداتها فاقترضت فوق حاجتها وفوق طاقة سماح الدول الصديقة والمؤسسات الدولية.

وفي ليبيا شن إعصار قادم من الغرب هجوماً بالعواصف والأمطار والسيول على مدينة درنة القريبة من الحدود المصرية. بكل المقاييس كان الهجوم ضارياً لم تنج منه مسؤولية الفوضى السياسية الناشبة في ليبيا.

لم تقتصر أوجاع الشعوب في الإقليم على الكوارث الطبيعية، وبعض هذه الكوارث مشكوك في انتسابه بالكامل إلى الطبيعة، فللإنسان دور في الإساءة إلى المناخ، ودفعه نحو ارتكاب الكوارث، الواحدة بعد الأخرى. الإنسان أيضاً مسؤول عن كارثة سوريا والسوريين. شعب خلّاق في تاريخه الممتد والمتمدد عبر حضارات شتى هو الآن ضحية لطائفية مقيتة اختلطت بنزعات استبدادية، وصراعات إقليمية، وأطماع دولية في الطاقة، وفي مصادر القوة والهيبة. الإنسان مسؤول أيضاً عن انكسار لبنان وانطفاء بعض أنواره، وهجرة خير زهراته، وتهريب ثروته النقدية، وفرض تراكم النفايات كعلامة انكسار ومهانة، وإعادة بعض كراسي السلطة إلى رجال الدين، أو لممثليهم، بيروت الأجمل دائما فقدت بريقها وتنازلت عن مكانتها عروساً للشرق الأوسط.

كان الأمل أن ينشأ السودان واحداً مكتملاً، ويبقى واحداً مكتملاً. للأسف أصبح بفضل بعض أهله اثنين، وهو الآن مرشح ليزداد عدداً وضعفاً. ثرواته مثل كل ثروات إفريقيا مطروحة للسرقة والنهب. شعبه توزع بجهود ووحشية بعض جيوشه، على دول الجوار، وفي معسكرات لاجئين، أو تبعثر في الصحارى، وعلى الحدود. يتحدثون بلا خجل عن مشروع دولة في شمال السودان ترث أرضاً سبق أن قامت عليها وسادت منها ذات يوم قبل آلاف السنين على أراضٍ شاسعة وشعوب وحضارات قديمة.

أذكر، وفي ظني أنني سجلت في مكان ما بعضاً من حديث جرى أمامي قرب نهاية عقد التسعينات في ندوة أقيمت في بيروت. كان طرفاً في الحديث رجل عرفت فيما بعد أنه في حقيقة أمره خبير في شؤون الشرق الأوسط لدى جهاز استخبارات غربي. يومها طرح اعتقاده أن الشرق الأوسط، الإقليم الفريد في تكويناته، الطبقية والعرقية والطائفية، عاجز بنفسه عن تحقيق عدالة في توزيع مقاليد السلطة على كل تشكيلات ومكونات المجتمعات الشرق أوسطية، وأنه لا بد من تدخل «جراحي» من الخارج يعيد حقوق السلطة إلى أصحابها، بحجة أن الطائفة التي احتكرت السلطة لقرون عدة، لن تسمح لطوائف، أو أي قوى داخلية، بتغيير واقع الحياة السياسية والاجتماعية في دول المنطقة. فهم المجتمعون القصد، ودخلوا في حوار ممتد كشف في نهايته أن قوة خارجية تسعى للتدخل لإحداث هذا التغيير الجذري في بعض مجتمعات الشرق الأوسط.

لهذه الظروف مجتمعة مع التغيير الحادث في نظام توازن المكانة والهيبة والقوة في النظام العربي، صارت مطروحة الحاجة إلى نظام إقليمي يواكب هذه التغييرات والظروف الواقعة فعلاً، والمتوقعة في المنطقة.

لا أمل في استقرار بالشرق الأوسط ونهوض جماعي إلا بإنهاء حال الارتباك الراهنة نتيجة تعدد بؤر الاشتباك على الحدود الفاصلة بين دول النظام العربي والدول المكونة لمشروع الشرق الأوسط الجديد. إنهاء الارتباك السائد وأعمال الإرهاب وتبادل العنف، أو السعي والخوف من استخدامه يتوقف على قدرة النظام العربي بشكله الراهن على استعادة إرادته المستقلة، وقدرته على بث، أو إعادة بث روح «قومية» في شرايين الأمة، وخطاباتها السياسية، وقدرته على خلق دوافع لكل الأطراف العربية لتحقيق تكامل إقليمي قوي في الاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا، وفي الفكر العسكري والأمني، فيها جميعاً أو في واحدة بعد الأخرى. المشوار طويل ولكن ضروري.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p96p7hw

عن الكاتب

دبلوماسي مصري سابق وكاتب متخصص بقضايا العلاقات الدولية. اشترك في تأسيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الأهرام. وأنشأ في القاهرة المركز العربي لبحوث التنمية والمستقبل. عضو في مجلس تحرير جريدة الشروق المصرية ومشرف على صفحة الرأي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"