ذاكرة «أكتوبر» الأمريكية

00:36 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

نعيش أجواء الاحتفال بالذكرى الخمسين لانتصار أكتوبر/ تشرين الأول 1973؛ الحدث الذي قفز بالمنطقة على تطورات كبرى، ربما بدأت من قناعة الرئيس المصري الراحل أنور السادات بأن 99 في المئة من أوراق اللعبة بيد أمريكا.

 وكانت هذه القناعة بداية مرحلة سياسية، طبعت المنطقة بطابع أمريكي من أبرز ملامحه، معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، التي اعتبرتها دول عربية في حينها، خروجاً مصرياً من معادلة التعامل مع إسرائيل، أو تخلياً عن دور في القضية الفلسطينية.

 الآن، يقول كثيرون: إن الأحداث المتتابعة على مدى نصف قرن بعد الحرب، أنصفت السادات وخياريه: الحرب والسلم، وأثبتت صواب قناعته، بامتلاك الجانب الأمريكي أوراق اللعبة في المنطقة وقتها.

 إذا كان الخيار الأول؛ أي الحرب، هو ما يعنينا الآن، خاصة أن مرور نصف قرن عليها، مناسبة تستدعي الكثير من المراجعات، فإنه لا غنى عن الوقوف عند رؤية أمريكا لهذا الحدث، ليس فقط لأن فيه إعادة اعتبار لعقلية السادات، وفهمه لطبيعة العلاقات الدولية حينذاك؛ بل وقدرته على قراءة المستقبل، ولكن أيضاً لمزيد من الفهم لمنطلقات صانع القرار الأمريكي فيما يتصل بالمنطقة وطبيعة تعامله مع تطوراتها.

 ولا يقلل من قيمة هذا الفهم أن أوراق اللعبة بالمنطقة لم تعد كاملة في يد أمريكا، وأن قواعد العلاقة بها تغيرت، بفضل الإيمان العربي المتزايد بعدم الارتباط بقطب واحد، وتنويع العلاقات والتحالفات وفقاً للمصالح الوطنية والقومية؛ وهي قاعدة تتسع في أكثر من إقليم في العالم.

 الموقف الأمريكي من حرب أكتوبر 1973 عرضه هنري كيسنجر، مستشار الأمن القومي وقت الحرب، ثم وزير الخارجية، في حوار معه، أخيراً، اعترف فيه بأن التفوق العربي في بداية الحرب كان مفاجئاً لواشنطن وتل أبيب. 

 وهذه المفاجأة التي لم تكن في التفوق الميداني فقط؛ بل شملت أيضاً التجهيز للحرب، بدءاً من حرب الاستنزاف؛ هي شهادة لهذا العمل العربي المشترك الذي رأى أطرافه أنه لا بديل عنه لتبديل الواقع العسكري، وصولاً إلى الوضع السياسي، تأسيساً على ارتباطهما في أية عملية تفاوض.

ما يؤكد ذلك أن كيسنجر يقول: إن السادات سعى قبل الحرب بثمانية أشهر إلى مبادرة سلام، تعود بموجبها إسرائيل إلى حدود ما قبل حرب 1976، مقابل اعتراف عربي بها، وهو ما رفضته كل الدوائر في تل أبيب.

 والمبادرة نفسها أعاد وزراء خارجية عرب، وفق كيسنجر، طرحها، أثناء الحرب خلال زيارات لواشنطن، لكنها رفضتها أيضاً، وقررت دعم إسرائيل في المعارك عبر الجسر الجوي الشهير.

 المفارقة في كلام «ثعلب السياسة الأمريكية» أن المحافظة على وجود إسرائيل لم يكن أول أهداف رغبة واشنطن في قلب موازين الحرب ووقف التفوق العربي المفاجئ في معاركها؛ بل الدفاع عن سمعة السلاح الأمريكي حتى لا يقال إن الجيش المصري انتصر بعتاد سوفييتي.

 ولعل هذه الرؤية لم تتبدل في السياسية الأمريكية التي لا تزال محكومة بمناكفات الحرب الباردة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/u9a7tttz

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"