مفارقات الفن في التربية

00:35 صباحا
قراءة دقيقتين
عبداللطيف الزبيدي
أليست هذه حلقة جديدة كليّاً، مختلفة تماماً، في مسلسل التربية والتعليم؟ في مصر جدل له دويّ، حول إضافة الممثّلة القديرة سميحة أيّوب إلى منهاج الصف السادس الابتدائي. ليس هذا هو الموقف الذي يقال فيه إن المصريين أصحاب نكتة، لأن المسألة تطرح باقةً من الأشواك في حقل الفن، أكثر ممّا تثير قضايا جادّةً في الفكر التربوي.
تلقائيّاً ينزلق الذهن إلى التساؤلات الفنية، منصرفاً عن الأصل الذي هو البحث في الموضوع تربويّاً. يتبادر إلى الذهن: لِمَ لم يفكروا في أمينة رزق، إذا كان الأمر يتعلق باختيار شخصية نسائية؟ هي أهمّ فنانة تأسيسية في هذا المجال، وهي الوحيدة التي لا تنافسها ممثلة في جدارة الوقوف جنباً إلى جنب مع تاريخ يوسف وهبي. هي في حدّ ذاتها تاريخ. ثم لماذا هذا الانتصار للعنصر النسوي؟ الرجال مساكين، طوال آلاف السنين وهم متهمون بدكتاتورية الذكورية، وفجأة تأتي هزيمتهم على طريقة عمّورية في كتاب مدرسي للصف السادس الابتدائي. المَذلّة الكبرى هي شماتة سميحة أيوب ساخرةً من الرجل: «ابكِ مثل النساء دوراً مضاعاً.. لم تحافظ عليه مثل الرجالِ».
من دوافع الأسف أن قضيةً تربويةً حساسةً كهذه، لا يُعرف شيء عن المسار الذي سلكته من الفكرة إلى حيّز التنفيذ. هل ثمة دراسة علمية شارك فيها خبراء تربية ونفس واجتماع، خلصوا فيها إلى أن أهل الاختصاص أجازوا دخول الفنانين الكتب الدراسية في الابتدائية، على غرار الأدباء؟ بالمناسبة، حاول القلم البحث عن الممثلات رومي شنيدر، آني جيراردو، سيمون سينوريه، بريجيت باردو، كاترين دونوف... في كتب الابتدائية في فرنسا، فلم يفلح. لقائل أن يقول: إذا كانت هذه الخطوة قائمة على تجليات إلهامية تربوية، فلم لا تنشر مستنداتها العلمية، تعميماً للتنوير؟
الفن بالفن يذكر: هل يجوز القفز على أسوار أمّ كلثوم بسهولة؟ لقد صدر القرار، بينما تخطي أمينة رزق ليس بالأمر اليسير، أي أن الاختيار جاء على طريقة: شاء من شاء وأبى من أبى. في المقابل لا يوجد لكوكب الشرق نظير أو منافس، لا في مصر ولا في العالم العربي. ثم إن الأنسب نشر صورة أمّ كلثوم في الكتاب المدرسي، وتحتها: «أنا إن قدّر الإله مماتي.. لن ترى الشرق يرفع الرأس بعدي». ويشرح المعلم أنه بعد عصر: «بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة»، شمخت «الست» تشدو: «ولد الهدى فالكائنات ضياءُ.. وفم الزمان تبسمٌ وثناءُ»، وأنها حلّقت بشعر العلاّمة محمد إقبال الفيلسوف الباكستاني: «إذا الإيمان ضاع فلا أمان.. ولا دنيا لمن لم يُحي دينا».
لزوم ما يلزم: النتيجة النسيانية: نسي القلم تناول الموضوع من الجانب التربوي، وهذا بالضبط ما حدث للتربويين هناك، هم أيضاً نسوا.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4c2ve9bz

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"