مفارقات في طريق اللغة العربية

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

هل سألت نفسك، لماذا يصرّ القلم على طرح موضوع اللغة العربية من زوايا التطوير، بلا طائل؟ للأمانة، فاتحت القلم في الموضوع فاستنكر السؤال، قال: أنا بريء من هذا الاتهام، فما كان قصدي في يوم من الأيام بحث المسألة من جوانب تربوية تعليمية أو لغوية، وأحترم اللغويين والمشرفين على المناهج في سائر البلاد العربية، فلا شك في أن حججهم معهم، وقد أجمعوا، على ما يبدو بعد دراسة وتمحيص، أو من باب تداعي الخواطر، على أن أمور تبسيط القواعد في النحو والصرف وأساليب التدريس شأنٌ غير ذي بال، أو أن تخصصاتٍ غيرَ تخصصاتهم أقدرُ على الاضطلاع به، أو أن الداء استفحل فلم يعد يجدي العلاج. كل ما هنالك هو أن لي غراماً قديماً بالدعابة والطرائف، فإذا عثرتُ على إحداها ظللتُ أكررها بلا ملل.

تقول: ما وجه الدعابة؟ أنت تعلم أن الدعابة وأخواتها وجاراتها، كالطرفة والنكتة والنادرة واللطيفة والمُلحة... تفجّرها في النهاية المفارقة. هل تجد مفارقة أعجب وأغرب وأطرف من أن العرب قبل الإسلام عندما لم تكن لهم مدارس ومناهج وأنظمة تعليم أو كتب مدرسية، ولم يكن لهم علمٌ بنحو أو صرف أو بلاغة، كان حليب أمّهاتهم ينقل إليهم العربية وعلومها، فكانوا يكتسبون مناعةً لغويةً، فلا تلسع ألسنتهم حشرات اللحن. في تراثنا طرائف عن استقامة اللسان لدى صبيانهم الذين كانوا حتى إذا لحن أحد أمامهم لم يردّدوا الخطأ، ونطقوا بالفصيح. المفارقة هي أنه حين ظهرت علوم اللغة وصارت للنحو والصرف مؤلفات وشروح ومتون وحواشٍ ومنظوماتٌ موزونةٌ مقفاةٌ، فسدت الألسنة حتى في بيوت النحاة، الذين من أقوالهم: «النحو صنعتنا واللحن عادتنا».

مفارقة غريبة مريبة كهذه لم تدغدغ أذهان اللغويين أو التربويين، لم تتحول في أدمغتهم إلى وخز إبر صينية نافعة، لم تنبثق منها أسئلة بحث علمي من قبيل: ألا يدلّ ذلك على أن في الأمر عِوجاً، خطأً، نقصاً؟ ألا يوجب ذلك التنقيب عن منهج تعليمي وأسلوب تربوي جديدين؟ وإلاّ فكيف يُعقل أن ينشأ أطفال الجاهلية على الفصاحة و«العصمة» من الأخطاء، وأن يبدعوا عندما يكبرون أشعاراً هي أساس الشعر العربي طوال خمسة عشر قرناً، وهي اليوم تُدرّس في كل مدارس العالم العربي؟ بينما يدرس أبناء العرب اليوم لغتهم ستّ عشرة سنة، فلا تكون منهم سوى نسبة ضئيلة لغتها سليمة. لمَ لا تُجري الوزارات تحقيقاً في مدى سلامة اللغة في مؤسسات التعليم؟

لزوم ما يلزم: النتيجة الفنّيّة: طرافة المفارقة هي أنها في البداية ملهاة، بفرط تكرارها تصير مأساة. تحوّل فني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mtvjdnmd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"