مأزق الإعلام الغربي

00:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

حين بدأت حرب أوكرانيا العام الماضي، كان بوريس جونسون رئيساً للحكومة البريطانية من حزب المحافظين، وكانت بريطانيا خرجت لتوها من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وتعتمد سياسة القفز على الأخطاء بالمغالاة في المواقف. لذا، بدا موقف بريطانيا من حرب أوكرانيا أكثر تشدداً حتى من الولايات المتحدة التي تقود التحالف الغربي الداعم لكييف في مواجهة روسيا.

استمر ذلك النهج حتى حكومة رئيس الوزراء الحالي، ريشي سوناك، التي تبنّت موقفاً مماثلاً في الصراع الدموي في إسرائيل/فلسطين المحتلة. ولأن بريطانيا في وضع اقتصادي متدهور بشكل عام، فإن مزايدتها على أمريكا وغيرها لا تتجاوز التصريحات الإنشائية، ولغو الخطاب السياسي. وفي هذا السياق تعد الإجراءات الرمزية في غاية الأهمية.

وهكذا اندلع الجدل الدائر حالياً في بريطانيا بشأن هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، التي رفضت وصف حركة حماس الفلسطينية بالإرهاب، رغم أن الحكومة البريطانية تصنفها جماعة إرهابية. واحتدّ سوناك، ووزراء حكومته في انتقاد «بي بي سي»، ومحاولة تأليب الجمهور البريطاني عليها.

*أولاً، الحكومة البريطانية التي رفضت باستمرار تصنيف «جماعة الإخوان» منظمة إرهابية رغم أن أغلب الجماعات الإرهابية من «القاعدة» إلى «داعش» إلى «جبهة النصرة» خرجت من عباءتها، لم تصنف حركة حماس إرهابية لأنها ضمن عباءة «الإخوان»، إنما فعلت ذلك ممالأة لإسرائيل ومزايدة على الولايات المتحدة على اعتبار أن بريطانيا هي من بدأت تسهيل الاستيطان في فلسطين تحت الانتداب مطلع القرن الماضي.

*ثانياً، تعاني «بي بي سي» في السنوات الأخيرة من تراجع شديد لأسباب كثيرة، من أهمها سياستها التحريرية، خاصة مع محاولتها أن تزايد على حكومات المحافظين لتفادي الضغوط. ووصل الأمر أن منافستها «سكاي نيوز» أصبحت أكثر موضوعية منها في تناول السياسة البريطانية، رغم أنها قناة خاصة يملكها روبرت مردوخ، وهو أصلاً محافظ سياسياً. ومع الكشف عن شبهة الرشوة المالية في تعيين حكومة بوريس جونسون لرئيس «بي بي سي» حاولت الهيئة العودة إلى الأصول المهنية الصحفية.

هناك أيضاً مثال مهم على حدث مشابه. ففي عام 1982 حين اندلعت حرب الفوكلاند بين بريطانيا والأرجنتين، كانت «بي بي سي» تصف الحدث بالهجوم البريطاني على الأرجنتين، وأحياناً بالعدوان، كما كان واقعه بالفعل. وجنّ جنون مارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء من حزب المحافظين أيضاً، وقتها، لكن «بي بي سي» لم تغير موقفها.

لكن الجدل الدائر حالياً يلقي الضوء على أزمة الإعلام الغربي عموماً. ولعلنا لم نكد ننسى خروج مراسلي الشبكات الغربية، على الشاشات من أوكرانيا، العام الماضي، معبّرين، بفجاجة، عن تمييز وعنصرية، خاصة تجاه العرب والأفارقة في مقارنتهم الأوكرانيين بغيرهم من ضحايا حروب شنّها الغرب، أو دعمها.

تلك الأزمة تظهر أيضاً، ليس فقط في الانحياز التام لإسرائيل وتبنّي خطابها بشكل دعائي تعبوي وتجاهل مآسي الفلسطينيين المستمرة منذ عقود، وإنما أيضاً في تحوّل أغلب الإعلام إلى مزايد على السياسيين بدلاً من تفنيد مواقفهم وتصريحاتهم وإخضاعها للنقد والمقارنة بالواقع. فذلك الإعلام الغربي كان يضرب به المثل في بلادنا، وغيرها لدارسي الصحافة وقواعدها المهنية، والتي تعتمد على الدقة والحياد والموضوعية والحرية، وغيرها من القواعد التي ما زال الغرب يعِظ العالم بها.

أتصور أن التغطيات الحالية، وبعدما شاهدناه في بداية الحرب في أوكرانيا، وحالياً في فلسطين، كفيل بإعادة النظر في الثقة بالإعلام الغربي عموماً، وما يبثه من أخبار ومعلومات وتحليلات، خاصة ما يتعلق ببلادنا ومنطقتنا. وإذا كان جمهوره المحلي في بلاده بدأ يفقد تلك الثقة، فمن غير المنطقي أن نستمر نحن في استقاء معلوماتنا منه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4mc2ssps

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"