هل انتهى صراع القوقاز؟

00:28 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

بين الفينة والأخرى، يطل الصراع برأسه بين الجارتين، أرمينيا وأذربيجان، وقد نجحت الأخيرة في عملية عسكرية خاطفة ضد إقليم ناغورنو كاراباخ الأرمني الانفصالي، في فرض الاستسلام على قوات الإقليم، وأعقب ذلك توقيع اتفاق هدنة بين الحكومة الأذرية، وحكومة الإقليم الانفصالي، تنصّ على نزع سلاح الجيش المحلي بالكامل، وانسحاب أية قوات أرمينية. وبعد هذا الحدث، قام الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف برفع علم بلاده في عاصمة ناغورنو كاراباخ، يوم الاثنين الماضي، وقال إنه «حقق حلماً قديماً باستعادة الإقليم». وكانت الحكومة الأرمنية امتنعت عن المشاركة في إعداد نصّ اتفاق وقف إطلاق النار في ناغورنو كاراباخ، فيما يمكن وصفه بأنه رفض ضمني لفرض الأمر الواقع بالقوة. وفي المقابل، فقد بدت ملامح الدهشة والانكسار على وجوه الأرمن في أرمينيا الذين تظاهروا في العاصمة يريفان ضد الرئيس نيكول باشينيان، لأنه ترك أرمن كاراباخ بلا حماية. ويسكن في هذا الإقليم نحو مئة وعشرين ألف شخص أرميني، وقد كلف استقلال الإقليم الذي يسميه الأرمن «ستيباناكيرت»، في الحرب الأولى التي وقعت في بداية التسعينات من القرن الماضي، عشرات آلاف القتلى من الأرمن، ونجحت أرمينيا آنذاك في إلحاق الهزيمة بأذربيجان، وإجبارها على التراجع عن إقليم كاراباخ الذي أعلن استقلاله، لكن لم يحصل على الاعتراف الدولي، ومنذ ذلك الوقت ظل الوضع على صفيح ساخن بين الدولتين.

وقبل ثلاث سنوات شنت أذربيجان عملية عسكرية، نجحت على إثرها في استعادة مناطق في كاراباخ، وما حولها. وقد اتهمت أرمينيا آنذاك، روسيا بالتقصير في الدفاع عن المصالح الأرمينية، ما دفعها للاتجاه لقطع عرى التعاون معها، والاتجاه نحو الولايات المتحدة من أجل الموازنة وترميم الموقف.

وأثناء تلك التدريبات أطلقت أذربيجان عمليتها ضد ناغورونو كاراباخ، ولم تحرك الولايات المتحدة ساكناً، بل اعتبرت وكأن الأمر لا يعنيها، وإن كان يعني شريكة جديدة لها تبحث عن حليف قوي يساعدها في موقفها ضد أذربيجان. لكن وبعد ما حصل هل ستتقبل أرمينيا هذه الهزيمة؟ وهل ستطوي صفحة العداء مع أذربيجان، وتتقبل بقاء أرمن كاراباخ كمواطنين أذريين ضمن حدود الدولة الأذرية؟

أرمينيا أصبحت الآن في موقف أصعب بكثير مما كان عليه الحال من قبل، لأنها خسرت روسيا بعد أن قامت بمد جسور التعاون مع الولايات المتحدة، وأصبحت بالنسبة إلى روسيا مثل أوكرانيا. وقد أقدمت مؤخراً على خطوة تصعيدية ضد روسيا من خلال مصادقة برلمانها على نظام روما الأساسي الذي أنشئت بموجبه المحكمة الجنائية الدولية، ما يمهّد الطريق أمامها للانضمام إلى هذه المحكمة التي أصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بدعوى مسؤوليته عن جرائم حرب.

وكان الكرملين قد وصف عزم أرمينيا المصادقة على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية بأنه «معادٍ جداً» لروسيا، وهذا الموقف الذي اتخذته أرمينيا ضد روسيا سوف يدفع هذه الأخيرة إلى إضعافها أكثر، لمنع الولايات المتحدة من الاستفادة منها في إلحاق الأذى بها، كما أن الولايات المتحدة ليس لها مصلحة في إضعاف أذربيجان، بل هي تعمل على زيادة قوتها، لتبقى قوية في وجه الدول المجاورة لها، كما أن أذربيجان تحولت بعد انقطاع مصادر الطاقة الروسية عن أوروبا، إلى أحد المورّدين البديلين لهذه المصادر إلى الأوروبيين ما جعل لها أهمية كبيرة لدى هؤلاء في صراعهم ضد روسيا.

كذلك فإن تركيا التي لها تاريخ من عدم التوافق مع الأرمن، قد جعلت من أذربيجان، الدولة الناطقة باللغة التركية، حليفتها الرئيسية في المنطقة.

ومن هذا المنطلق، فإن الثقل الاستراتيجي بات يميل بشكل واضح لمصلحة أذربيجان. فأرمينيا دولة صغيرة بالمساحة والسكان، وهي بعد أن خسرت الحليف الروسي، لم تتمكن من تحقيق الموازنة، مع خصمها الأذري، بالحليف الأمريكي الجديد، وبالتالي، فإنها ربما لن تفكر مرة جديدة في استعادة إقليم كاراباخ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2swe9747

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"