ستبقى القضية المركزية

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين

قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، كان ظاهر السياسة في المنطقة والعالم يتمحور حول مجموعة من القضايا التي تتبادل الاستئثار بالاهتمام حسب درجة السخونة وحجم التفاعلات الإقليمية والدولية.

عالمياً، عشنا أكثرمن عام مع الصراع الروسي الأوكراني، الذي هو غطاء لاحتراب أجنحة كبرى وتوابعها، وتأثرت منطقتنا، كغيرها من أقاليم العالم، بهذه الأزمة التي تهدد الأمن في محيطها وخارجه، وتكاد تلقي بالملايين في دائرة الجوع.

أما على صعيد مصائبنا العربية المباشرة، فدارت أعيننا في الأشهر الأخيرة مع نسختها السودانية التي توالت فيها الأرقام المفجعة حول القتلى والمصابين والنازحين واللاجئين، وانشغلنا بجهود الساعين نحو إنهاء المنازلة الدامية بين الأشقاء، ومحاولات فتح ممرات لإغاثة المشرفين على الموت، سواء بالقذائف العمياء، أو بالجوع الذي يلتهم كل يوم ضحايا جدداً حذّر البعض من أن يصلوا إلى رقم مليوني.

ورغم أننا لم نبرأ من تداعيات السياسة في اليمن والعراق وسوريا والسودان وليبيا، على اختلاف درجاتها، تضاعفت المآسي بما أحدثته الكوارث الطبيعية في المغرب ودرنة الليبية، فتوسعت مساحات الأسى في القلوب بما أحدثه الزلزال بالأشقاء المغاربة، وبما أوقعه الماء من قتلى ومشردين في الشرق الليبي، والحيوات التي انطمرت فجأة تحت ركام الإعصار، والجغرافيا التي تبدلت بتأثيراته العنيفة، أو اختفت تماماً، فكأنها وكأن ساكنيها أحلام.

هذه، تقريباً، خلاصة عناوين الاهتمام الإعلامي والشعبي في ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وكان البعض يلحظ، أو يعزّ عليه، ما يعتبره غياباً لتفاصيل القضية الفلسطينية عن بؤر المتابعة إلا ما يخص التحذير من خطر المساس بالمسجد الأقصى وإصرار بعض الوجوه الإسرائيلية على استفزاز المشاعر الإسلامية وتجاهل عواقب ذلك.

كلما قلت التفاصيل الفلسطينية، كان البعض يأسف ل «غياب قضية العرب المركزية»، بل سمعنا من يقول إنها انتهت، وهو ما تكذّبه الوقائع التي نحياها.

بأي معيار وجداني أو سياسي، لا يليق بالقضية الفلسطينية أن تبرح مركزيتها، فكل فصل جديد فيها، خاصة الذي نتابع تدفق مجرياته الآن، يثبت أن معظم القضايا التي قد يبدو أنها تصرف الاهتمام عنها مشدودة إليها برباط وثيق.

القضية الفلسطينية، بالنسبة لكل عربي ومسلم وصاحب ضمير يقظ، جرح مزمن قد يتعايش معه البعض، أو يخشى آخرون ذكره من فرط ألمه، أو يسعى آخرون إلى تحجيمه، فلا يستفحل. وهي، بالمعنى السياسي، أُمّ كل القضايا وحولها تدور ملفات قد تبدو بعيدة الصلة بها، لكن حين تنفجر الأوضاع يتيسر لنا فهم ما قد يمر علينا بغير اهتمام، ويصبح المسكوت عنه أكثر صخباً.

الفصل الأحدث من القضية يؤكد مجدداً حضورها في دقائق الملفات الإقليمية والعالمية، وكذلك تعقيداتها التاريخية والمستقبلية المتصلة بكل ملف على نحو قد لا يتبدّى لنا في وقت ما. حتى الذي يستجد في واقعنا ويرى البعض أنه يشغلنا عن هذه القضية لا ينفصل عنها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/tmrhbvx9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"