المبالغة لا تفيد

01:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

لا جدال في أن الحرب على غزة لأسابيع الآن، تترك آثاراً اقتصادية على اسرائيل ودول المنطقة. ومن دون التقليل من أن الأضرار البشرية لا يمكن أن تقدر بثمن، فإن الأضرار الاقتصادية أيضاً مهمة. لكن يلاحظ في كثير من التعليقات والتحليلات أن هناك مبالغة شديدة في ذلك التأثير، وحجم الأضرار.

من المبالغات الضارة، بغضّ النظر عن الموقف من الحرب على غزة، أن استمرار الحرب قد يؤدي إلى انهيار اقتصاد اسرائيل. أما ضرر المبالغة في تقدير تأثير الحرب فهو مزدوج: من ناحية يشجع على استمرار الحرب على أساس أنها سلاح ضد اسرائيل، ومن جانب آخر يشجع على مزيد من التمويل الأمريكي والغربي لإسرائيل.

نعم، تضرر الاقتصاد منذ مطلع الشهر الماضي، بانخفاض سعر صرف العملة الذي جعل بنك إسرائيل يضخ عشرات مليارات الدولارات في السوق لدعمها. وهبطت مؤشرات البورصة بشكل واضح، وتوقف إنتاج الغاز في أكبر حقل بحري إسرائيلي. حتى الاستدعاء الجزئي للاحتياط سيؤثر في فرص النمو الاقتصادي لهذا العام. لكن الوضع ليس بالشكل الذي تقرأ عنه، أو تسمعه.

من يقف مع محنة الفلسطينيين يبالغ في التأثير والضرر من باب التشفي، ومن قبيل التفكير بالتمني لانهيار اقتصاد اسرائيل. والإعلام الغربي يبالغ في تصوير الشوارع الخالية في المستوطنات التي أُجلي سكانها، وتعطل الأعمال، وإغلاق المحال لجلب التعاطف مع اسرائيل وزيادة دعمها.

إنما الحقيقة أن الاقتصاد الاسرائيلي ليس على وشك الانهيار، ولا حتى تضرر بالشكل المبالغ فيه الذي يتم تصويره من جانب مؤيديها ومناهضيها. حتى مع ما ذُكر عن طلب إسرائيل عشرة مليارات دولار من أمريكا لدعمها، ومع محاولة إدارة الرئيس جو بايدن، تخصيص أكثر من هذا المبلغ لمساعدة إسرائيل. فالاقتصاد الإسرائيلي منذ بدايته يعتمد في نموه بشكل كبير على المساعدات والدعم الأمريكي والأوروبي، وما هذه الدفعة سوى عملية «انتهازية» إلى حد ما للحصول على أموال من الخارج. بل ويتوقع انسياب المزيد من الأموال الأمريكية والغربية وغيرها، مباشرة أو بشكل مباشر، إلى إسرائيل.

حتى أن ما سحبه بنك إسرائيل من احتياطياته النقدية لددعم العملة، لا يمثل ثمن ما لديه من احتياطيات كانت قبل الحرب تكفي لتغطية واردات اسرائيل لمدة عامين، وتغطية كل احتياجات التمويل لأكثر من عام. وما يغفله كثيرون أن العملة الإسرائيلية تعاني أصلاً، منذ بداية العام، وهي من أسوأ العملات أداء خلال 2023 لأسباب سابقة على الحرب.

أما بالنسبة إلى توقعات الطاقة، وهي المحرك الأساسي للاقتصاد، فإن وقف إنتاج حقل الغاز البحري الكبير ربما أثر في الأردن ومصر أكثر. أما بالنسبة لإسرائيل فليس سوى تراجع مؤقت في العائدات من التصدير. لكن مصافي النفط الرئيسية هناك تعمل أساساً على خامات مستوردة من دول آسيا الوسطى، وشمال العراق. وبالمناسبة، فالواردات من النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي معطلة منذ مارس/ آذار، لأسباب تتعلق بخلافات تركية عراقية على التسعير.

وفي مجال الطاقة، هناك مبالغة واضحة في توقعات البعض أن يؤدي استمرار الحرب إلى مزيد من ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي الإضرار ليس باقتصاد اسرائيل فقط، بل باقتصاد العالم كله، وفي مقدمته أمريكا وأوروبا. وحتى إن كان ذلك التوقع مرهوناً بتوسع نطاق الحرب في المنطقة، فإن ذلك الاحتمال يبدو ضعيفاً جداً.

مرة أخرى، نعيد التأكيد أن الحرب – أي حرب - لها تأثيرات اقتصادية مهمة، لنتذكر حرب أوكرانيا التي بدأت، العام الماضي، وسط مخاوف من انهيار اقتصادي عالمي نتيجة الحظر الاقتصادي على روسيا، وتعطل تصدير الحبوب من أكبر منتجين لها في العالم. وفي النهاية امتص الاقتصاد العالمي الصدمة، وإن تباطأ نموه. حتى اقتصاد الدولتين المعنيتين، روسيا وأوكرانيا، لم يشهد انهياراً: روسيا لتحوطها للعقوبات غير المسبوقة وأوكرانيا بالدعم المالي الأمريكي والأوروبي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc7vfr67

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"