العرب في عالم بلا نوافذ

00:36 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

يقودنا واقع العرب، وفقاً لمقتضيات عصر «الدوت كوم» في عالم لا نوافذ فيه، إلى فهمنا الطبيعي والمنطقي للمفاهيم المترددة بين حضورهم المتقدم في «الوطن العربي» و«العالم»، مروراً ب«العالم العربي»، مع وعينا أنّ المصطلحات باتت متحركة في القواميس السياسية عند تحديد الدول، وسياساتها واستراتيجياتها، للحكم على منجزاتها الحضارية باعتبارها لن تبلغ الاكتفاء ولا الانكفاء. أكتب هذا، مع الانتباه إلى أنّ التمييز بين الوطن والعالم يترك فروقات في تحديد هويات دول العالم في عصر بلا نوافذ.

وللوصول إلى تحقيق اكتمال كلتا التسميتين، أو الهويتين، هناك على الدوام، مطامع وأحداث وأعباء وأزمات حضارية، وتحدّيات كبرى، وحروب كثيرة، تمطّت لتؤرّق الأنظمة وتترصّدها، منذ إلغاء دولة الخلافة الإسلامية التركية (3 مارس/ آذار/ 1924)، وصولاً إلى التداخل المتشابك الهائل لمصالح دول العالم الشديدة التعقيد حالياً، حيال التفكيك، أو حتى التغيير.

لم يبلغ، أو يستقرّ الواقع على معنى الأمة، أو الوطن، أو حتى التجانس الثابت كي لا نقول الموحّد، بالرغم من مقوماته الحضارية، وأبعاده، وحضوره الفاعل والمتفاعل مع العالم. يمكن الافتراض مثلاً، أننا خسرنا قروناً من المراوحة، أو الانشداد بين الشرق والغرب، وقُل بين العروبة والقومية والأديان، مع ما تحمله من رؤى متعددة، واتجاهات واجتهادات متقابلة، متلوّنة بالمصالح الكثيرة، المحلية والمستوردة. المهم هنا أنّ احتساب الأرباح والخسائر يتضاعف بتعقيداته، إذا ما سلّمنا بأن الكشوفات العلمية والاتصالية المتدفقة والهائلة، ونحن منها ولسنا فيها، تمكّنت من الكرة الأرضية التي فقدت ظلالها، أعني المساحات البشرية الشاسعة بتقاليدها وعواطفها الضيقة، والخاصة جدّاً، لأننا بلغنا زمناً تتجاوز فيه الشركات الدولية العملاقة العابرة للقارّات أزمنة الدول، بما يُقلق الدول والحكومات والشعوب المستهلكة، غير المنخرطة بعد في حيوية المعارف والمخترعات.

هذا التطور يحصل بوتائر القفز، لا السرعة وحسب، وينبذ التفكير البليد والتردد بالمناقشات والخيارات، في زمن يبدو فيه العالم سوقاً عالمياً «أون لاين»، مسكوناً بتلبية الحاجات والطموحات الصغيرة والكبيرة جدّاً المشرّعة للتعاون والانخراط والتبادل والتلبية بين الدول والشركات والمؤسسات والأفراد في سوق «دوت كوم»، يتجاوز حاجات البشرية، ويعجّ بالصور والمعلومات والثقافات والمتاجر في الأسواق الحرّة الواسعة في الأمكنة والأزمنة الفضائية. لنعترف بسقوط الجدران، أو الحواجز، أو الحدود التواصلية، ومواصفات الكبير والصغير بين الشعوب المتخالطة، ومثلها السلوك الفردي، أو الدولي، من الأذهان والقواميس، بالمعنى التقني المتحالف بهدف المصالح، لا بغية التوحّد والاندماج، حتى ولو خالف قارئ هذا الأمر مستنداً، على سبيل المثال السياسي، إلى خروج بريطانيا مثلاً من المنظومة الأوروبية الذي جاء لدوافع اقتصادية وسياسية معقدة.

هكذا نجد أنفسنا، بالمعنيين الوطني والقومي والحضاري، سواء في الأشكال، أو المضامين، غير مشدودين للمراوحة والتأرجح، أو الحيرة، أو التوفيق، أو اعتماد ردود الفعل السياسية السريعة بين شرق وغرب، أو بين جنوب وشمال.

صحيح أن الأمور ستلتبس كثيراً عند تحديق الشعوب في مدى الكوارث ومشاهد العنف الهائلة في العالم، أو في الدول الغنية الجاذبة تاريخياً للدول العظمى، وصحيح أن العالم كلّه تقريباً، يشارك بشكل أو بآخر، في تحالفات لوقف العنف الذي يبدو بطيئاً ومتثاقلاً، كأن التاريخ يترك دولاً للأحقاد الدفينة، كأنّها أصيبت عبر تطوّرها، والبحث عن مستقبلها فوقعت في ما يشابه أسطورة «سيزيف» اليونانية.

وهنا تتقدّم ملاحظتان، الأولى حول مواقع العرب المضيئة، أو المظلّلة، في المشهد الدولي المنسوج بحكمة التعاضد، وتقابلها الملاحظة الثانية حول صعوبة فهم شراسة الإمعان البشري والدولي بالعنف والإجرام وتكديس السلاح في ما يتجاوز القيم الإنسانية والقوانين، والمنظمات الدولية التي وضعت في أعقاب الحربين العالميتين، نصوصاً دولية تفرق نهائياً بين قوة الحق، وحق القوة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5jm8xh5w

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"