عادي

ثلاثة مستويات للعولمة

19:54 مساء
قراءة دقيقتين
غلاف الكتاب

القاهرة: «الخليج»

في كتابه «دراسات في نقد النص الدرامي.. الهوية، الفضاءات، التحولات» يشير د. محمد عبدالله حسين إلى مصطلح العولمة، متسائلاً: هل هي ظاهرة أم عملية أم حالة مبتغاة؟ وعلى هذا يمكن النظر إليها أو التعامل معها على ثلاثة مستويات: المستوى الأول بوصفها أيديولوجية أو كإطار فكري، يقوم على فكرة انتصار الحضارة الغربية، ويدعي تدشين مرحلة جديدة في التاريخ البشري، وتستند هذه الدعاوى إلى مجموعة من الأطر الأيديولوجية كالليبرالية الجديدة، أو تجاه ما بعد الحداثة.

المستوى الثاني يتعامل مع العولمة بوصفها ظاهرة، بمعنى مجموعة من الإجراءات والسياسات والممارسات المقصودة والصادرة عن القوى الكبرى في العالم، خاصة أمريكا، حاولت هذه القوى بشكل واع ومتعمد تحديد مضمون العولمة، وفرض شروطها على كل التجمعات، وبشكل يخدم مصالحها، ومن ثم فقد أصبحت العولمة في هذا المستوى، تعني التدخل في الشؤون الداخلية من الناحية السياسية، والتحكم في عمليات الإصلاح الاقتصادي من الناحية الاقتصادية، والاختراق الإعلامي والثقافي من الناحية الثقافية.

المستوى الثالث يتعامل معها بوصفها عملية، بمعنى أنها مرحلة تاريخية أو هي بمثابة تطور نوعي جديد في التاريخ الإنساني، وبالتالي فهي محصلة تطور تاريخي تراكمي له جذوره، تحدث عنها كثيرون، وحاول البعض وضعها في شكل حلقات متتالية، وهي بذلك تجسيد لمجموعة من التطورات العلمية والاقتصادية، التي تجعل منها امتداداً لاتجاهات، سبق أن تحددت.

العولمة في مجملها نسبية، تختلف آثارها من مجتمع إلى آخر، ومن شريحة إلى أخرى، داخل المجتمع، ومن ثم يمكن التحكم في آثارها، ورغم ذلك فإن البعد الثقافي للعولمة له خصوصية واضحة، فهو أكثر عشوائية أو أقل خضوعاً للتنظيم والرقابة، قياساً إلى الأبعاد الاقتصادية والسياسية، أو إن شئنا الدقة أبعد كثيراً عن إمكانية التحكم فيها، إضافة إلى أنها البعد الوحيد الذي يمكن أن يجد مقاومة، أو الذي تجدي معه المقاومة من جانب الشعوب والجماعات الرافضة له، لكنه في الوقت نفسه ربما يكون أسرع انتشاراً.

من هذا المنطلق، تكمن المشكلة الأساسية، التي تتمثل في العلاقة بين الكونية والخصوصية، وهنا أيضاً يفرض السؤال نفسه، هل هي عولمة الثقافة؟ أم ثقافة العولمة؟ الشق الأول يعني تلاشي التعددية الثقافية، والثاني يشير إلى وجود حد أدنى من المشترك الثقافي العالمي إلى جانب الخصوصيات الثقافية، والمأزق الحقيقي في عولمة الثقافة، يكمن في عدم إمكانية تحقيقه، فالثقافة لا يمكن أن تعولم، وأي محاولة في هذا الشأن تعني الهيمنة أو الغزو الثقافي الذي يمكن مقاومته عن طريق عدة وسائل، أهمها بروز الخصوصيات الثقافية في تعددها، لمواجهة كل محاولة للهيمنة، وهذا يتوقف على العوامل الكامنة في كل ثقافة من الثقافات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5ebt3jd3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"