عادي
يشارك في إنتاجه باراك وميشال أوباما

«اترك العالم وراءك».. الحياة بلا اتصال ولا تواصل

23:44 مساء
قراءة 6 دقائق

مارلين سلوم

من يعرف أن جوليا روبرتس بطلة فيلم «ليف ذا وورلد بِهايند» أو «اترك العالم وراءك»، يقبل عليه مبتسماً حتى ولو كان نوع الفيلم يميل إلى الدراما والرعب، لأن اسم هذه النجمة ارتبط في مخيلة وذاكرة الجمهور بالابتسامة العريضة التي تميزت بها وصارت جزءاً من علامات جمالها، لكنه يبقى طوال الساعتين و18 دقيقة ينتظر الابتسامة ولا يجدها سوى في مشهد عابر، في فيلم رمادي غامض، رأى المخرج المصري الأصل سام اسماعيل أن يختتم به عام 2023 وكأنه يرينا ما يشبه نهاية العالم.

الفيلم مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للكاتب رومان علام (المعروف بكتاباته قصص الجريمة والرعب) لكن ّإسماعيل أجرى تعديلات وإضافات كثيرة عليها، ويشارك الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما وزوجته ميشال وجوليا روبرتس و«نتفليكس» في إنتاجه.

  • هل يستحق الفيلم كل هذه الضجة التي أثارتها الصحافة الأجنبية قبل وبعد انطلاق عرضه؟

لا شك أن «اترك العالم وراءك» عمل مميز، غير تقليدي ومصنوع بحرفية عالية، ويجمع بين الخيال والواقع، يشعرك بأنه يتحدث عن قوة خارقة ومخلوقات فضائية تهاجم الأرض وتعطل نظامها وتشل حركة الملاحة البحرية والجوية وتعطل كل شبكات الاتصال والتواصل في العالم، فيقع البشر في خوف مريب وتتعطل الحياة بلا إنترنت وبلا تلقي معلومات من الخارج ومن المحيط ومن أية وسيلة إعلامية.. وتستمر في حيرة لا تفهم ما الذي يحصل طوال الساعتين، لتبدأ الخيوط تفك تشابكها وتفهم بعضاً من الحقيقة دون أن تصل إليها كاملة، خاصة أن المخرج أراد للنهاية أن تكون أكثر غموضاً وأن تبقى مفتوحة على كثير من الاحتمالات.

  • ونعود إلى السؤال: هل يستحق كل هذه الضجة؟

الفيلم يفتعل الضجة، يجبرك أن تتحدث عنه وأن تبحث أكثر عن المعنى الحقيقي الذي أراد إسماعيل أن يوصله إلينا، وطبيعي أن يثير الضجة في أمريكا، لأنها بسياستها جزء أساسي من تلك الأحداث، بل هي سبب مباشر لما سيحل بها وبالعالم.

«أنا أكره الناس»، نادراً ما تتوقع أن تسمع مثل هذه العبارة من بطلة تعبّر فيها عن نفسها وعن حقيقة مشاعرها منذ اللقطة الأولى للفيلم. أماندا (جوليا روبرتس) مديرة العلاقات العامة في شركة إعلانات كبيرة في نيوجيرسي، تقرر فجأة أن تأخذ إجازة لتبتعد مع عائلتها عن أجواء العمل وصخب المدينة ووجوه الناس، فتستأجر منزلاً من خلال إعلان على الإنترنت حيث لفتها اسم المنزل «اترك العالم وراءك»، وهو ما تريده من هذه الإجازة تحديداً، أن تترك العالم خلفها وترتاح من نفاق الناس والمجاملات والضوضاء، خصوصاً أنها تشعر بالاشمئزاز من كونها تقنع الناس بشراء أي منتج حتى ولو لم يكن صالحاً، بمعنى آخر تبيعهم الوهم فيصدقونها. يفاجأ زوجها كلاي (إيثان هوك) حين يصحو بأماندا تجهز الحقائب فيسألها عما تفعله، لترتسم أمامنا أول صورة عن الزوجين، هي امرأة عملية حاسمة تتخذ القرارات بنفسها ولا يبدو أن هناك أي جانب للعواطف والرومانسية بينهما، وكلاي أستاذ جامعي يبدو أكثر بساطة وانسيابية في التعامل مع أمور الحياة من زوجته.. يحزمان الحقائب ويتجهان مع ابنهما أرتشي (تشارلي إيفنز) وابنتهما روز (فرح ماكينزي) إلى تلك الجزيرة «لونج آيلاند».

تصوير المخرج رحلة العائلة في السيارة يعكس طبيعة الشخصيات والأجواء الأسرية الباردة إلى حد بعيد، حيث كل منهم مشغول بعالمه، والطفلة روز تعاني من هذا البرود وهذه الوحدة، تتابع بشغف إعادة مسلسل «فريندز» الذي اشتهر في التسعينات ووصلت إلى الحلقة الأخيرة.

الصورة

تفاصيل

يخرج أرتشي وروز للسباحة، بينما يتولى كلاي تجهيز المائدة وتتوجه أماندا إلى أقرب سوبرماركت لتشتري ما سيحتاجونه خلال إقامتهم القصيرة، وعند خروجها يلفتها رجل كبير في السن ملتحٍ يملأ شاحنته الصغيرة بعشرات الصناديق من المياه والمعلبات وكل ما تحتاجه العائلة عادة إنما لأشهر بل ربما لسنوات.. تستغرب الأمر لكنها تتابع عائدة إلى المنزل. لا تقل إن هذه التفاصيل صغيرة وغير مهمة، لأن إسماعيل يعتني بهذه التفاصيل جيداً، حيث لا تمر لقطة أو موقف أو معلومة مرور الكرام، بل تكون لها أسبابها وتبعات ننتبه لمعناها لاحقاً، ومشهد تخزين هذا الرجل نفهم أسبابه في النصف الأخير من الفيلم، لأن هذا الرجل ويسمى داني (كيفن بيكن) أحد سكان هذه المدينة هو الأعلم بكل تفاصيل ما يحصل، وحامل مفاتيح معظم الألغاز..

حين تذهب الأسرة إلى الشاطئ للاستجمام، تقع أول حادثة غريبة، ناقلة نفط اسمها «وايت لايون» تقترب من الشاطئ بشكل مخيف، الكل يركض هرباً، لا تتوقف السفينة إلا بعد دخولها في عمق الشاطئ وسط الرمال. يعودون إلى البيت دون أن يتمكنوا من فهم ما حصل، لا إنترنت، ولاحقاً انقطعت الكهرباء وتعطلت كل وسائل الاتصال والتواصل، حتى التلفزيون لم يعد يلتقط أية إشارة، في المساء يظهر فجأة رجل ببذلة سهرة رسمية ومعه فتاة، يطلب من كلاي وزوجته استضافتهما لهذه الليلة فقط، ويعرف الرجل عن نفسه بأنه مالك هذا البيت واسمه جورج أو «جي إتش» (ماهرشالا علي) الذي تواصلت معه أماندا واستأجرت منه المنزل، ومعه ابنته روث (مايهالا). أماندا ترفض استقبالهما، بينما يتعاطف معهما كلاي بسبب انقطاع الكهرباء في المدينة ولا مجال لعودتهما إلى شقتهما في مبنى سكني شاهق الارتفاع. خوف أماندا مبرر، بينما تعاطف كلاي يزرع في الجمهور شكوكاً ومخاوف أكبر حول حقيقة الرجل وابنته وكل الأحداث المريبة في تلك الليلة المشؤومة.

تظهر على الشاشة رسالة خاطفة وسريعة تقول «هذه حالة طارئة وطنية» وأن «الولايات المتحدة تعلن حالة الطوارئ»، لا أحد يفهم ما الذي يحصل، لكن جورج لديه رواية أخرى ومعلومات من «صديق ذي منصب مرموق في وزارة الدفاع» كان قد فهم منه أن شيئاً خطيراً سيحدث..

الطفلة روز ترى الغزلان، تحاول اللحاق بها، تخبر شقيقها الذي يتجول معها في تلك الغابة فتلسعه حشرة في ساقه، ثم يعودان إلى المنزل. تتوالى الظواهر الغريبة والمريبة، أصوات تصمّ الأذن، طائرات درون توزّع منشورات مكتوبة بالعربية عنوانها «الموت لأمريكا»، وظهور كثيف ومفاجئ للغزلان، وطيور الفلامنغو في حوض السباحة وتحطُّم طائرة.

الصورة

صدق وتشويه

«اترك العالم وراءك» يبين كيف يمكن لوسائل الإعلام ووسائل الإعلان أيضاً أن تكون صادقة أحياناً ومشوهة للحقائق أحياناً أخرى، يقدمه المخرج في خمسة أقسام، كل منها مشار إليه بعنوان يظهر على الشاشة: الجزء الأول: البيت، الجزء الثاني: المنحنى، الثالث: الضجيج، الرابع: الطوفان، والخامس: النهاية. العناوين تلك تشير إلى الأحداث في كل جزء، والرسالة الأهم التي نصل إليها مع ظهور داني مرة أخرى، هي نظرة الأمريكي للعالم، فبيت داني يشبه البيت الأبيض رافعاً علم أمريكا على شرفته، البيت الوحيد المحصن من تلك الحرب التي ستدمر العالم، محصن بالمؤونة والأدوية والسلاح.. والحرب التي ستقضي على العالم هي «حرب أهلية». ما سبب هذا الهجوم؟ مرة يقولون إنهم الكوريون أو الصينيون، ومرة الإيرانيون، ومرة الروس، «لدينا أعداء كثر حول العالم ربما اتحدوا ضدنا» يقول الرجل، فيبدأ الناس بالانقلاب على بعضهم البعض دون ظهور عدو واضح ومحدد. المعاني السياسية والإنسانية عميقة ومهمة ترفع من شأن الفيلم.

لم يعرض هذا العمل في صالات السينما إلا لفترة قصيرة حتى يكون مؤهلاً للمشاركة في جوائز الأوسكار العام المقبل، ثم انطلق عرضه على «نتفليكس»، وهو من النوع الذي يصل عادة إلى المنافسة في غالبية المهرجانات العالمية، ولا شك أن الإخراج والقصة سيحصدان جوائز وإن لم تكن ضمن الأوسكار نفسه، علماً أن جوليا روبرتس وماهرشالا علي سبق أن تذوقا طعم الفوز بهذه الجائزة، روبرتس عن فيلم «إيرين بروكوفتش» وعلي حصل عليها مرتين عن «مون لايت» و«جرين بوك»، بينما ترشح لها إيثان هوك أربع مرات.

روح هيتشكوك

يحب سام إسماعيل تصوير الأماكن من فوق، يستخدم كثيراً «الدرون» في التصوير ناهيك عن استخدامها في مشهد توزيع المنشورات في الشارع والتي سنتحدث عنها لاحقاً، ولأنه من عشاق المخرج الكبير ألفرد هيتشكوك، فلا بد أن تجد روح هذا الأخير تحوم في الأجواء وتترك بصمة في بعض المشاهد وأسلوب التصوير، خاصة أن القصة قائمة على التشويق والألغاز واستخدام الطيور والحيوانات كلغة سينمائية تحمل رسائل غير مباشرة للبشر. ومنذ وصول عائلة أماندا وكلاي إلى المنزل، يتجول المخرج بكاميرته في أرجاء المكان الجميل والمبهر، تصوير رائع ينتقل بعده إلى محيط المنزل الخارجي، حوض سباحة وغابة تبدو هي السور المحيط به، وظهور مفاجئ للغزلان، والذي يترجمه كلاي بأنه بُشرى خير بحسب مفهوم الأمريكيين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ytx8etpn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"