عادي

صراع تحت «جليد» القطب الشمالي

22:35 مساء
قراءة 4 دقائق
عمليات الاستكشاف في القطب الشمالي
عمليات الاستكشاف في القطب الشمالي

كتب- بنيمين زرزور:

قد تستبدل الدائرة القطبية الشمالية الكثير من بياضها المعهود بألوان البارود والدم، خلال السنوات القليلة المقبلة، بينما يضيق ما كان يسمى «العالم القديم» بمطامح وأطماع القوى الكبرى.

ركزت النخب الغربية على القطب الشمالي من حيث تغير المناخ خلال الأعوام القليلة الماضية، وسط تقارير عن تهديد أزمة المناخ جليد القطب نفسه بالانقراض. ويغفل الغرب الحدث الأهم، وهو سلسلة من المواجهات بين القوى التي تتنازعها رغبات السيطرة.

ويعيش في المنطقة التي تمتد لمسافة 10آلاف ميل تقريباً، أربعة ملايين نسمة. ويعتبر القطب الشمالي، الذي يشكل أربعة في المئة من سطح اليابسة، أرضاً بكراً غير مضيافة.

ويضم القطب الشمالي الأجزاء الشمالية لثماني دول، هي: النرويج، وروسيا، وفنلندا، والسويد، والدنمارك، وأيسلندا، وكندا، والولايات المتحدة التي يفصل أراضيها في ألاسكا عن روسيا مضيق بيرنغ، الذي يبلغ عرضه 55 ميلاً.

ومعلوم أن المنطقة ساحة محتملة للحرب منذ فترة طويلة، خاصة الحرب النووية. وتزخر الغواصات الأمريكية والروسية المتمركزة هناك بصواريخ باليستية عابرة للقارات، وتعمل كرادع نووي استراتيجي. وبالنسبة إلى موسكو، تشكل شبه جزيرة كولا في أقصى شمال غرب روسيا، بوابة لسفن أسطولها الضخم من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية بشكل أساسي. ومن خلال ما يسمى بفجوة «جي أي يو كيه»، وهي الفجوة بين غرينلاند وأيسلندا وبريطانيا، يمكن للغواصات الروسية الوصول إلى المحيط الأطلسي.

وبعد حادثة منطاد المراقبة الصيني الذي وصل إلى ألاسكا في يناير/ كانون الثاني 2023، قررت أمريكا وكندا إنشاء قواعد رادارية جديدة لمسح القطب الشمالي في شمال غرب الولايات المتحدة، وأونتاريو. وسيكون الهدف الرئيسي منها هو اكتشاف صواريخ كروز الجديدة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، والتي استخدمتها روسيا في أوكرانيا، ويمكن أن تطلقها يوماً ما، على كندا وأمريكا عبر القطب الشمالي.

وتدعم الاستثمارات والتقنيات الصينية عمليات استخراج الوقود الأحفوري الروسي، ونقله في القطب الشمالي. وعلى الرغم من أن الصين ليست لديها أي مطالبات برية أو بحرية في القطب الشمالي، فقد أعلنت نفسها «دولة قريبة من القطب الشمالي» في عام 2018، مستشهدة بتأثير التغيرات في بيئة المنطقة على بيئة الصين.

مجلس القطب الشمالي

لم يكن القطب الشمالي دائماً موقعاً للتوتر الدولي. فبعد الحرب الباردة، كانت العلاقات بين الدول تتم بروح التسوية. وفي عام 1996، شكلت الدول القومية القطبية الشمالية الثماني مجلس القطب الشمالي لتعزيز التعاون بين الدول المعنية، والذي ضم أيضاً ممثلين عن الشعوب الأصلية.

وتعثر التعاون بين دول القطب الثماني بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014. لكنه انتهى كلياً منذ حرب أوكرانيا عام 2022. وعلق مجلس القطب الشمالي عملياته في ذلك العام، وحدث بعدها تغيير كبير في النهج الأمريكي.

وفي مايو/ أيار من العام الماضي، قال جلين دي فانهيرك، أحد كبار جنرالات القوات الجوية الأمريكية، أمام اللجنة الفرعية للقوات المسلحة في مجلس الشيوخ المعنية بالقوات الاستراتيجية، إن الخطر الأكبر بالنسبة إلى الولايات المتحدة ينبع من «عدم قدرتنا على التغيير بالوتيرة التي تتطلبها البيئة الاستراتيجية المتغيرة. وتتجلى ردود الفعل البطيئة للولايات المتحدة في القطب الشمالي في عام 2023 كما كانت أثناء انسحابها الفاشل من أفغانستان في عام 2021.»

كارثة بيئية

في حين أن المنافسة الدولية والصراع المحتمل يتصاعدان بسرعة، واصلت النخب السياسية والثقافية الغربية وصف القطب الشمالي بشكل أساسي كموقع ل«كارثة بيئية». وأصبحت لقطات تفكك الجليد بمثابة استعارة مبتذلة لتغير المناخ الجامح.

ويبدو أن علماء البيئة الغربيين يهتمون بالجليد القطبي الشمالي، أكثر من اهتمامهم بالناس الذين يعيشون فيه، إضافة إلى الدول القومية الثماني التي تمتلك أجزاء من القارة، فهي أيضاً موطن للعديد من الشعوب الأصلية.

ومن خلال زعزعة استقرار طرق التجارة والنقل والبنية التحتية العامة، فإن الذوبان البطيء لجليد القطب الشمالي قد يجعل العلاقات الدولية مشحونة بالتوتر، لأسباب ليس أقلها أن روسيا والصين تحرصان على الاستفادة من هذه الفرصة.

من المؤكد أن وجود منطقة قطبية شمالية أكثر سيولة وأقل جليدية سيكون في مصلحة روسيا. ومن شأن ذلك أن يساعد ناقلات النفط الروسية على شحن الغاز الطبيعي المسال من الحقول الشاسعة في حقل يامال، شمال سيبيريا، إلى وجهات أوروبية وآسيوية. وقالت موسكو في عام 2022 إنها ستنفق ما يقرب من 30 مليار دولار بحلول عام 2035 على تطوير طريق بحر الشمال.

ومن المؤكد أن الصين سوف تستفيد من المزيد من الطرق البحرية الناجمة عن ذوبان القطب الشمالي، لأن نسبة 90% من الصادرات الصينية تمر عبر البحر. ومن الواضح أن روسيا، التي تصدر الكثير من الطاقة والمواد الخام إلى الصين، سوف تستفيد أيضاً. لكن ذوبان الجليد لا يفسر وحده سبب تنافس العديد من الدول على هذه الأراضي القاحلة المتجمدة.

النفط والغاز والمعادن

ولا شك في أن المواد الخام هي السبب الأهم للاهتمام الدولي بمنطقة القطب الشمالي. وتشير التقديرات إلى أن 30% من الغاز غير المكتشف في العالم، و13% من النفط يقعان في المنطقة. وبعد حرب أوكرانيا، انسحبت شركات الاستخراج الغربية مثل «إكسون موبيل»، و«شل»، و«بريتش بتروليوم»، ما فتح الباب أمام توسع العمليات الروسية والصينية.

وهناك اهتمام متزايد بالمعادن، خاصة النادرة التي يسهل ذوبان الجليد الحصول عليها. لذا تعمل التقلبات الجيوسياسية المتزايدة على تكثيف المنافسة الدولية على القطب الشمالي. وتمتد المناوشات في الشرق الأقصى البحري إلى أقصى الشمال البحري. إلا أن حرباً واسعة النطاق في المنطقة ليست وشيكة، ولكن من المؤكد أن التوتر زاد حدة، ومن المحتمل حدوث مواجهات خطرة. فقد قدمت روسيا والدنمارك وكندا مطالبات إلى الأمم المتحدة بشأن ملكية سلسلة جبال لومونوسوف، بالقرب من القطب الشمالي الجغرافي.

والواقع أن الكرملين تحرك نحو إعادة هيكلة الموقف العسكري الروسي، حتى يتسنى له خوض عمليات برية على طول الطريق من فنلندا إلى إستونيا ولاتفيا وليتوانيا.

يبدو أن القطب الشمالي خلال العقد المقبل، سوف يضطرب بسبب المواجهات العسكرية والاستفزازات أكثر من عمليات الحفر، أو تغيّر المناخ. فالمعركة لا تزال في بدايتها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/56s7tes5

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"