بيوت تسكننا

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

تشتاق إلى الأماكن، إلى بيوت سكنتها يوماً فسكنتك أبداً. البيوت ليست ذكرى، بل ذاكرة تحفظ كلماتنا وحكاياتنا وتخزّن شرائط صورنا وطفولتنا وأفراحنا وأحزاننا.. وهي تعرف كيف ومتى ترويها لنا فتفتح خزائنها لتُخرج منها صورة تلو الأخرى، موقفاً تلو الآخر، نسمع صدى الكلمات يتردد فينا، بينما تحث هي العقل على استعادة المشهد كاملاً، تهمس له وتسلّمه مفاتيح الذكريات، تحرّك المشاعر، يعود للعينين بريق اللحظة والدهشة، أما أنت فتقف مرتبكاً لا تعرف كيف تحدد كل تلك المشاعر المتداخلة، فرح على حزن على رغبة في البكاء والضحك في آن.. حتى القلب يُسمعك إيقاعاً جديداً!.

ما من بيت عشت فيه طفولتك وجزءاً من ذكرياتك ومراحل الصبا إلا ورسمته في خيالك بصورة أجمل وأبهى مما هو عليه، فجدرانه مجبولة بالحكايات، وساحاته وشرفاته مرسومة بريشة الحنين وتفوح منها روائح الأحبة وضحكات الطفولة، وما من ركن إلا وترى فيه ملامح أم وأب وحب مازال يكبر حتى بعد رحيلهما.

نقول إن كل إنسان ينظر إلى الأشخاص والأشياء وفق رؤيته ونظرته، كذلك البيوت لا نراها جميعاً بنفس العين ولا نحمل لها نفس المشاعر؛ بيت ذكريات طفولتك قد يبدو في عينيك أجمل بكثير مما يراه الآخرون، ومهما تحدثت عنه فستكون كمن يحكي حلماً، خيالاً، يحاول المحيطون بك تصوّره، لكنهم لن يروا أبداً تلك الصور المتدفقة أمامك كشلال ترتوي منه المشاعر، تستعيد ذكرياتك وتستعيد منها ومعها روح الماضي،

تنتعش، شيء ما في داخلك يهيئ لك أنك مازلت صغيراً وشاباً وقادراً على فعل كل شيء وأي شيء، تتمنى لو تقفز هنا وتركض هناك وتتكئ على سور الحديقة تتأمل ورودها التي تنبت وفاء لمن زرعتها واعتنت بها ثم رحلت؛ تقطف من ثمار أشجار، شمخت شموخ أبيك؛ تعرف أن الحياة تتجدد وتزهر، وأن كل ما يحيط بك يخلد ذكريات جميلة وذكرى من صنعوها وسكنوا هنا فسكن البيت واطمأنّت النفوس.

البيوت تعكس نفوس أصحابها، لا يقتصر الأمر على ما تراه العين من زينة وديكور وألوان، والتي بدورها تعكس جزءاً من ذوق أهل البيت، وتقدم لك نبذة سريعة وخاطفة عنهم، إنما تشعر حين تدخل أي بيت بنسمة تستقبلك، فإما أن ترحب بك وتلفك من كل جانب فتأسرك وتستكين فيها، وإما أن تسرع في الزيارة، لتخرج سليماً قبل أن تصاب باكتئاب أو نفور لا تعرف مصدره، ولكنك تشعر بثقله، وكأنه يطبق على نفسك.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3zndz3ta

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"