يهود يخافون على إسرائيل من نفسها

00:16 صباحا
قراءة 4 دقائق

عاطف الغمري

من بين تكاثر المنظمات اليهودية الأمريكية المعارضة لسياسات حكومات إسرائيل، وتأييد هذه المنظمات لحقوق الفلسطينيين خاصة فى دولتهم المستقلة، ما زالت فى ذاكرتي لقاءات مباشرة مع قادة إحدى هذه المنظمات أثناء عملي لسنوات في واشنطن، وهي المنظمة التي تسمى «منتدى سياسة إسرائيل» (Israel Policy Forum)

كان الدافع للقائي معهم، بياناتهم التي كانت تصلني بالبريد على مكتبي، وكلها تهاجم الحكومة الإسرائيلية ورئيسها بنيامين نتنياهو، وتعلن تأييدها لحل الدولتين.

وحين سعيت للقاء هذه القيادات كان أول سؤال لي هو: فهمت مما قرأته في بياناتكم أنكم مؤيدون لشعب إسرائيل، وفي الوقت نفسه تنددون بحكوماته.

وكانت الإجابة: إن المخاوف تسيطر علينا من أن سياسة حكومة إسرائيل يمكن أن تلحق كارثة بالإسرائيليين أنفسهم هناك، فإن حكومة إسرائيل تتصرف وكأن الأمور داخلها ومن حولها ستظل ساكنة، بينما الطبيعي أن تحدث تطورات خاصة داخل الأرض الفلسطينية، يمكن أن تلحق أخطر الأضرار بدولة إسرائيل، وبالتالي سيكون سكان إسرائيل هم الذين ستلحق بهم النتائج التي تسببت فيها حكوماتهم، ولذلك فنحن نخاف على مصير يهود إسرائيل من غباء حكوماتهم.

ثم جاءت أحداث 7 أكتوبر(تشرين الأول) الماضي، وما أعقبها من حرب تدميرية لم تحقق نجاحاً في غزة، ولا تزال تداعياتها المتوقعة تحمل الكثير من المخاطر على الإسرائيليين،

لهذا رحت أبحث عما يشغل هذه المنظمة في أيامنا الحالية. وكانت الحصيلة مواقف مستجدة معلنة من قيادات هذه المنظمة في تشخيص أحداث واقعية تجري الآن، بعد أن تجاوز ما يحدث فعلياً توقعاتهم وتخوفاتهم السابقة.

ومن هذه القيادات سوزى جيلمان، وهي من أبرز القيادات السياسية في هذه المنظمة، والتي تصف موقفها بأنه ينبني على الخوف على إسرائيل من نفسها، وقالت: إن معركتها هي ضد التطرف السياسي الإسرائيلي، وإنها مستمرة في هذا النهج بهدف إنقاذ إسرائيل من نفسها.

وهناك مايكل كوبلو، المسؤول السياسي في المنظمة والذي تنقل مقالاته عدد من المجلات السياسية المتخصصة.

وكان كوبلو قد وجه نصيحة إلى الرئيس بايدن فى يناير(كانون الثاني) الماضي، قال فيها: إنه يجب على بايدن أن يضغط على نتنياهو وإرغامه على تنفيذ حل الدولتين، الذي يحافظ على إسرائيل كدولة آمنة.

وقال: إن نتنياهو كان يوصف قبل 7 أكتوبر(تشرين الأول) بالخبير فى شؤون الأمن، والآن أصبح اسمه الخبير فى اللاشيء، والرافض لكل شيء.

وتحدث أيضاً ديفيد هالبرين، وهو عضو مؤسس فى المنظمة، وقال: «إن حكومة إسرائيل اعتادت تجاهل ما يقوله البيت الأبيض، وإن الخلاف بينهما سيستمر بلا توقف إلى أن يرغم بايدن نتنياهو على قبول الاختيار السليم، وإن كان المتوقع فى ظروف العلاقة بينهما ألا يقدم نتنياهو على أي اختيار»،

وهنا يصل الموقف إلى التساؤل عما إذا كانت إسرائيل قادرة على تحمل نتائج تمردها على أمريكا، وأضاف بأن ما يُبقي الاختلاف بينهما فى منطقة الظل، هو أن الخلافات بينهما نظرية ولم تدخل مرحلة المواجهة الفعلية.

هؤلاء الثلاثة من قادة «منتدى سياسة إسرائيل»، يتفقون على أن السياسة التي تتبعها حكومة نتنياهو ستنقلب على إسرائيل بالضرر، وأن موقف منظمتهم يستند إلى مخاوف حقيقية وليست نظرية، تغيب كثيراً عن عقل حكومة إسرائيل، ولهذا فإنهم يخافون على مصير الشعب اليهودي فى إسرائيل.

وأعربوا عن ارتياحهم لبدء ظهور ردود أفعال من داخل إسرائيل نفسها، تتفق مع مخاوفهم مثل ما عبرت عنه صحيفة «ها آرتس» تحت عنوان «أمن إسرائيل القوي صار مهدداً بالخطر».

وأيضاً بدء عدد من السفراء القدامى في إنشاء ما سمي ب «منتدى السياسة الخارجية» وهدفه العمل على تحسين علاقات إسرائيل الخارجية مع دول العالم، والتي لحقها الضرر بسبب سياسات حكومة نتنياهو، وحملتها العسكرية الفاشلة فى غزة، والتي وصفها مسؤول في الحكومة بأنها حرب بلا مستقبل.

وما لجأ إليه هؤلاء السفراء السابقون من توجيه خطاب مفتوح إلى نتنياهو، يعربون فيه عن قلقهم العميق من الضرر الذي أصاب علاقات إسرائيل بدول كثيرة في العالم، وقالوا: إن ما يزيد من قلقنا هو صدور بيانات رسمية عن مسؤولين كبار في الحكومة والكنيست حول السياسات المتبعة في الضفة الغربية، والتي تشمل فرض قوانين تقوم على التمييز العنصري وقمع الآخرين، والإضرار بحقوقهم الطبيعية في الحرية، وإن هذه المخاوف عبّر عنها اثنان من الكتاب اليهود في أمريكا وهما ميدا بنجامين، ونيكولاس ديفيز، وتحذيرهما من أن تصرفات أمريكا وإسرائيل قد تدفع الوضع في المنطقة نحو حرب أوسع نطاقاً.

وإذا كنا نعلن تأييدنا لوقف إطلاق النار في غزة، فإن من المهم قبل ذلك تعريف من هو المعتدي ومن هو الضحية. وليس طبيعياً أن يعطي بايدن لإسرائيل شيكاً على بياض لإبادة سكان غزة، وكان ينبغي عليه الاستماع إلى بعض كبار مستشاريه الذين ينصحون بالإصرار على وقف إطلاق النار، وليس ترك إسرائيل تعمل على إفناء غزة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mr3nvmca

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"