عادي
صدر في الشارقة

«أدبيات النباتات»..الشجرة تتحدث بالحكمة

19:38 مساء
قراءة 5 دقائق
فهد المعمري والغلاف

الشارقة: عثمان حسن

يتسع مفهوم التراث الشعبي في شقه الأدبي والفكري، ليشتمل على مجموعة متنوعة من جماليات وحكايات حول نباتات وأشجار شكلت زاداً ثقافياً، وهذا ما نكتشفه في كتاب «أدبيات النباتات والأشجار في التراث الشعبي» للشاعر النبطي الإماراتي فهد علي المعمري، وصدر الكتاب عن معهد الشارقة للتراث في الشارقة، وجاء في مقدمة واثني عشر باباً، وكل باب من هذه الأبواب يدرس النباتات والأشجار في سياقات مختلفة، ففي الباب الأول يسلط المؤلف الضوء على أنواع النباتات والأشجار ذات الجذوع الكبيرة، وفي الثاني يدرس النباتات والأشجار في الأمثال، و في البناء والصناعات والحرف التقليدية، وفي العلاجات والتداوي، وأيضاً في الخراريف، وفي المعتقدات الشعبية.

جاءت أبواب الكتاب الاثنا عشر، لتبرز جماليات التراث الشعبي، فالنخلة -على سبيل المثال- وهي أبرز مثال على الأشجار كبيرة الجذع، شكّلت عصب الحياة للبدوي، ولا تزال إلى اليوم، وهي جزء مهم من حياته في تلك البيئة الجبلية والصحراوية والساحلية، وكانت النخلة حاضرة في عشرات الأمثال الشعبية الإماراتية، وشكّلت مصدراً رئيسياً للشاعر النبطي الذي نهل من معينها الكثير من الأفكار التي طوعها في أشعاره.

وقد وردت النخلة كما يؤكد فهد المعمري في الشعر النبطي في معانٍ ودلالات كثيرة كناية عن الشموخ والسمو والإباء، واعتبرها البعض رمزاً للغنى وسعة الحياة، وهكذا.

ويورد المؤلف الكثير من النماذج الشعرية التي وظفت النخل في سياقات متنوعة، ومن هؤلاء عوشة بنت خليفة السويدي (فتاة العرب): التي تقول:

يقطف روس الخراريف.. من باسم بسام

من خلاص وصنايف.. ما خلطه بشحام

بدوره يذكر الشاعر محمد راشد المطروشي ستة أصناف من النخل في بيت واحد من الشعر، ومن الأصناف الفرض، والجش وبو الزبد والبري والهلالي، حيث يقول: «بين فرض وغرسة جشوشة.. بو الزبد يبري مع هلالي».

وقد ورد ذكر النخلة عند كثير من الشعراء بينهم: (خميس السماحي، سعيد بن عتيج الهاملي، جابر المنصوري، وخليفة الشامسي، سالم الجمري، ويعقول الحاتمي، وراشد بن ثاني، وسعيد بن سالم بن حلوة، عفراء بنت سيف، وخلفان بن علي السويدي).

*الأمثال

وعلى مستوى الأمثال، فقد برع الأجداد كما يستعرض فهد المعمري في استنباط الحكمة وقولها في كلمات قليلة تحمل معاني كثيرة، يراد منها التعلم والحذر، وعدم تكرار الأخطاء، والمضي في طريق الصلاح، وكانت أمثالهم تحفز على الأخلاق الحسنة والصبر على النوائب، والتمسك بالعادات والتقاليد، فالأشجار والنباتات ضمن هذا الإطار حضرت في المخيلة الإبداعية، بوصفها منبعاً لكثير من الأمثال التي تستنبط الحكمة، حيث تختلف النباتات والأشجار باختلاف المراد من الحكمة التي قيل لأجلها المثل، فمن الصحراء أخذ الأجداد النباتات الموسمية ووظفوها في الأمثال الشعبية، كما وظفوا النباتات الجبلية، فظهرت عندهم إلى جانب النخلة شجرة الغاف، والسدر، والسمر، كقولهم: (السمر خلف يمر) والسمر شجر صحراوي وجبلي ينتج نوعاً جيداً من العسل، كما حضرت الكثير من النباتات البرية كالحنظل، وفي كل هذه الأصناف، ولد المثل وولدت الحكمة، كما برزت الكثير من الاستخدامات لمنتجات هذه الأشجار والنباتات التي شكلت في مجموعها رافداً ثرياً من روافد المعرفة التي تضيف إلى التراث الثقافي وتغنيه.

*العلاجات والتداوي

اعتمد المعمري على كتاب «الطب الشعبي في دولة الإمارات العربية المتحدة» للدكتور عبد الله الطابور، وكتاب «موسوعة الحياة البرية» لجمعة خليفة أحمد بن ثالث الحميري، ليقدم كنزاً من استخدامات الأشجار والنباتات في التداوي والعلاجات، وهناك عشرات الأسماء التي ترد في الكتاب في هذا السياق على سبيل المثال: (الشكاع، العشب، الجعدة، السدر، ظفر، القرم، الشريش، رمرام، التمر، البطيخ، الصبر، الجز، الأراك، الخردل، صقل، المثيبة، ذانون، ياس، الرمث، الحرمل، الحناء، الخناصير، عشرج، وغيرها الكثير).. فالخناصير شجرة جبلية تنمو في فصل الشتاء، وتستخدم لعلاج مرض السكري، والرمرام ينمو في المناطق الجبلية، وهو ذو رائحة طيبة، يغسل بالماء الحار، ثم يدق ويسخن، ويوضع على القروح لتشفى، كما يستخدم لعلاج ضغط الدم ورمد العين، أما عشرج، فهو نبات بري وجبلي يفترش الأرض، وليس له سيقان، وأوراقه خضراء صغيرة، يستخدم لعلاج الإمساك، وهناك أم غيلان الشجرة ذات الأشواك التي تستخدم ثمارها الحصوية كمادة طبية، حيث تحضر ثمارها وتدق وتسخن وتخلط بالماء، وتقدم ليشربها من يشكو من وجع البطن.

*الأسطورة

يؤكد مؤلف الكتاب على أن المجتمع الإماراتي مثله مثل بقية الشعوب لم يكن بمنأى على الأسطورة التي كانت تتخذ اسم الخروفة، وجمعها خراريف، حيث وظفت النباتات والأشجار في هذه الخراريف وجسدت في صياغات قصصية، حيث برع الأجداد في سرد قصص ممتعة وشيقة في هذا المجال، ومن الحكايات التي يستند عليها المؤلف، ما ورد في كتاب (موسوعة الكائنات الخرافية في التراث الإماراتي) للدكتور عبد العزيز المسلم، الذي شكل موسوعة في أدب الخراريف، ومن ذلك ما يرد تحت عنوان «العتم» وهي شجرة تنمو في الإمارات، ويقال: إن البعض يحتفظ بجزء من أغصانها في المنزل، لأن الجن والشياطين تمقتها، فلا تقترب من المكان الذي توجد فيه، وهناك «الناريلة» وتنمو في الساحل الشرقي للإمارات، والناريلة حكاية خرافية قليلة الانتشار، تقدم تفسيراً لأصل شجرة جوز الهند، وتروي الحكاية أن هذه الشجرة لم تكن موجودة في الدنيا، وقد تكونت جراء جريمة قديمة حدثت في إحدى المناطق، فقد قُتل رجل مظلوم بلا سبب أو ذنب، ولم يعلم بقصة قاتله أحد، وقد عمد القاتل إلى إخفاء جريمته بدفن المقتول في مكان بعيد، وبقيت الحال كذلك، وبعد أن تحللت الجثة ولم يبق غير الجمجمة، جاء يوم وهطلت الأمطار، بغزارة وارتوت الأرض بما في ذلك قبر القتيل، بعد أيام نمت جمجمته كأنها نبتة، وكبرت شيئاً فشيئاً، حتى صارت شجرة كبيرة تشبه النخلة، وثمارها تشبه الجمجمة، وعندما رآها أهل القرية، وكان فيهم رجل حكيم، قال: إن هذه الشجرة نبتت على قبر رجل قتل ظلماً، وهي تنبئ الناس بالجريمة والظلم الذي وقع عليه دون علم أحد.

*معتقدات شعبية

واستكمالاً لهذا الثراء المعرفي، يربط المؤلف بين الأشجار والنباتات وصلتها بالمعتقدات الشعبية (إيجاباً وسلباً)، ومن ذلك أن لمس أوراق الكافور المستخدم في تكفين وتحضير الميت يكون شديد التأثير في المرأة الحامل، وقد يتسبب في إسقاط حملها، وعليه فإن المرأة الحامل يجب أن لا تلمس الكافور نهائياً، أما بخصوص التمر، فقد كان الوالدان أو الجدات يطعمون الأطفال التمر منذ الصغر، وذلك اعتقاداً منهم بأنه يسهم في رفع مستوى ذكائهم، فيقولون: «عطوه سحة بيفهم». كان العرب يتشاءمون من أمور عدة، ومنها شجرة السدر، عندما تزرع في البيوت، لاعتقادهم بأنها ستطرد صاحب البيت وأهله عندما تكبر، كما يعتقدون أن قطعها سيؤدي إلى موت من قطعها، لذا كانت مصدر تشاؤم.

ويواصل فهد المعمري استعرض نماذج كثيرة من أدبيات النباتات والأشجار في التراث الشعبي، فيذكر الكثير من الأمثلة عن استخداماتها في العطور، ويرى المؤلف أن العطور تعكس أدب وحضارة الشعوب ومن خلالها يمكن التعرف إلى رقي الفكر، وقد كانت العطور بمثابة صناعة ومهنة، والكتاب يسلط الضوء على توظيف الأجداد للنباتات والأشجار في العطر والتطيب.

*اقتباسات

*الخرافات والأساطير تعد واحدة من الآداب العالمية ولها مقاربات تتشابه وتتقاطع قليلاً أو كثيراً مع غيرها.

*برع الأجداد في استخراج الحكمة وقولها في كلمات قليلة تحمل معاني كثيرة.

*زخر الشعر النبطي بالنباتات والأشجار، وكانت موضوعاً أثيراً يزخر بالمعاني والأخيلة.

*«ظفر» شجرة تنبت في المناطق الجبلية، وهي دواء لعلاج الكسور.

*إذا خلط الزنجبيل مع الشاي أو أي مشروب ساخن يكون علاجاً للحمى، وأحياناً لعلاج بعض الأمراض الجلدية.

*شجرة الغاف من بين أهم الأشجار التي عني بها سكان الإمارات، وعمرها الطويل قد يصل أحياناً إلى 180 عاماً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ycx2djjt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"